-2-
* * *
2- دواوين التفتيش في البلاد الإسلامية:
ويبدو أن دواوين التفتيش هذه قد انتقلت إلى بقاع العالم الإسلامي، ليسلطها حكام مجرمون فجرة على شعوبهم، فقد ذكر لي شاهد عيان بعض أنواع التعذيب التي كانت تنفذ في أحد البلدان الإسلامية ضد مجموعة من العلماء المجاهدين فقال:
بعد يوم من التعذيب الشديد ساقنا الزبانية بالسياط إلى زنزاناتنا، وأمرنا الجلادون أن نستعد ليوم آخر شديد..
صباح اليوم التالي أمرنا الجلادون أن نخرج فوراً، كنا نستجمع كل قوتنا في أقدامنا الواهنة هرباً من السياط التي كانت تنزل علينا من حرس كان عددهم أكبّر منا. وأخيراً أوقفونا في سهل صحراوي، تحت أشعة الشمس اللاهبة، حول كومة من الفحم الحجري، كان يعمل الحرس جاهدين لإشعالها، وقرب النار مصلبة خشبية تستند إلى ثلاثة أرجل. اشتعلت كومة الفحم الحجري حتى احمرت، فجأة سمعنا شتائم تأتي من بعيد، التفتنا فوجدنا خمسة من الحرس يقودون شاباً عرفه بعضنا، كان اسمه "جاويد خان أمامي" أحد علماء ذلك البلد. امتلأ الأفق بنباح كلاب مجنونة، رأينا عشرة من الحرس يقودون كلبين، يبلغ ارتفاع كل واحد منهما متراً، علمنا بعد ذلك أنهما قد حرما من الطعام منذ يومين. اقترب الحرس بالشاب جاويد من كومة النار الحمراء، وعيناه مغمضتان بحزام سميك، كنا نتفرج أكثر من مائة سجين، ومعنا أكثر من مائة وخمسين من الحرس، معهم البنادق والرشاشات، فجأة اقترب من الشاب جاويد عشرة من الحراس، أجلسوه على الأرض، ووضعوا في حضنه مثلثاً خشبياً ربطوه إليه ربطاً محكماً، بحيث يبقى قاعداً، لا يستطيع أن يتمدد، ثم حملوه جميعاً، وأجلسوه على الجمر الأحمر، فصرخ صرخة هائلة، ثم أغمي عليه.
سقط منا أكثر من نصفنا مغمى عليهم، كانوا يصرخون متألمين..
وعست رائحة شواء لحم جاويد المنطقة كلها، ومن حسن حظي أنني بكيت بكاءً مراً، لكنني لم أصب بالإغماء، لأرى بقية القصة التي هي أفظع من أولها.
حُمل الشاب، وفكت قيوده وهو غائب عن وعيه، وصلب على المصلبة الخشبية، وربط بها بإحكام، واقترب الجلادون بالكلبين الجائعين، فكوا القيود عن أفواههما، وتركوهما يأكلان لحم ظهر جاويد المشوي، بدأت أشعر بالانهيار، إنه ما زال حياً والكلاب تأكل لحمه، فقدت وعيي بعدها..
لم أفق إلا وأنا أصرخ في زنزانتي كالمجنون، دون أن أشعر.. جاويد. جاويد..
أكلتك الكلاب يا جاويد.. جاويد..
كان إخواني في الزنزانة قد ربطوني وأحاطوا رأسي وفمي بالأربطة حتى لا يسمع الجلادون صوتي فيكون مصيري كمصير جاويد، أو كمصير شاهان خاني الذي أصيب بالهستيريا مثلي، فأصبح يصرخ جاويد.. جاويد.. فأخذه الجلادون ووضعوا فوقه نصف برميل مملوء بالرمل، ثم سحبوه على الأسلاك الشائكة التي ربطوها صفاً أفقياًـ، فمات بعد أن تقطع لحمه ألف قطعة، وهو يصرخ: الله أكبر.. الله أكبر..
لابد أن ندوسكم أيها الظالمون..
وأخيراً أغمي عليّ..
فتحت عيوني..
فوجئت أنني في أحد المشافي، وفوجئت أكثر من ذلك بسفير بلدي يقف فوق رأسي، قال لي: -كيف حالك؟ يبدو أنك ستشفى إن شاء الله، لو لم تكن غريباً عن هذه البلاد لما استطعت إخراجك..
فاجأني سائلاً: لكن بالله عليك، قل لي: من هو هذا جاويد الذي كنت تصرخ باسمه؟ أخبرته بكل شيء فامتقع لونه حتى خشيت أن يغمى عليه.
لم نكمل حديثنا إلا والشرطة تسأل عني..
اقترب من سريري ضابط بوليس، وسلمني أمراً بمغادرة البلاد فوراً، ولم تنجح تدخلات السفير في ضرورة إبقائي حتى أشفى، حملوني ووضعوني في باخرة أوصلتني إلى ميناء بلدي، كنت بثياب المستشفى، ليس معي أي وثيقة تثبت شخصيتي، اتصلت بأهلي تلفونياً، فلما حضروا لم يعرفوني لأول وهلة، حملوني إلى أول مستشفى، بقيت فيه ثلاثة أشهر في بكاء مستمر، ثم شفاني الله.. وأنهى المسكين حديثه قائلاً: بقي أن تعرف أن مدير السجونيهودي، والمسؤول عن التعذيب خبير ألماني نازي، أطلقت تلك الحكومة في ذلك البلد الإسلامي يده يفعل في علماء المسلمين كيف يشاء..
* * *
3- ومن الحبشة أمثلة أخرى:
استولت الحبشة على أرتيريا المسلمة بتأييد من فرنسا وإنكلترا..
فماذا فعلت فيها؟؟!.
صادرت معظم أراضيها، وأسلمتها لإقطاعيين من الحبشة، كان الإقطاعي والكاهن مخولين بقتل أي مسلم دون الرجوع إلى السلطة، فكان الإقطاعي أو الكاهن يشنق فلاحيه أو يعذبهم في الوقت الذي يريد.. فُتحت للفلاحين المسلمين سجون جماعية رهيبة، يجلد فيها الفلاحون بسياط تزن أكثر من عشرة كيلو غرامات، وبعد إنزال أفظع أنواع العذاب بهم كانوا يلقون في زنزانات بعد أن تربط أيديهم بأرجلهم، ويتركون هكذا لعشر سنين أو أكثر، وعندما كانوا يخرجون من السجون كانوا لا يستطيعون الوقوف، لأن ظهورهم أخذت شكل القوس..
كل ذلك كان قبل استلام هيلاسيلاسي السلطة في الحبشة، فلما أصبح إمبراطور الحبشة وضع خطة لإنهاء المسلمين خلال خمسة عشر عاماً، وتباهى بخطته هذه أمام الكونغرس الأمريكي.
سن تشريعات لإذلال المسلمين منها: أن عليهم أن يركعوا لموظفي الدولة وإلا يقتلوا..
أمر أن تستباح دماؤهم لأقل سبب، فقد وجد شرطي قتيلاً قرب قرية مسلمة، فأرسلت الحكومة كتيبة كاملة قتلت أهل القرية كلها وأحرقتهم مع قريتهم، ثم تبين أن القاتل هو صديق المقتول، الذي اعتدى على زوجته، حاول أحد العلماء واسمه الشيخ عبد القادر أن يثور على هذه الإبادة فجمع الرجال، واختفى في الغابات، فجمعت الحكومة أطفالهم ونساءهم وشيوخهم في أكواخ من الحشيش والقصب، وسكبت عليهم البنزين وأحرقتهم جميعاً. ومن قبضت عليه من الثوار كانت تعذبه عذاباً رهيباً قبل قتله، من ذلك إطفاء السجائر في عينيه وأذنيه، وهتك عرض بناته وزوجته وأخواته أمام عينيه، ودق خصيتيه بأعقاب البنادق، وجره على الأسلاك الشائكة حتى يتفتت، وإلقاؤه جريحاً قبل أن يموت لتأكله الحيوانات الجارحة، بعد أن تربطه بالسلاسل حتى لا يقاوم. وأصدر هيلاسيلاسي أمراً بإغلاق مدارس المسلمين وأمر بفتح مدارس مسيحية وأجبر المسلمين على إدخال أبنائهم فيها ليصبحوا مسيحيين. عين حكّاماً فجرة على مقاطعات أرتيريا منهم واحد عَّينه على مقاطعة جمّة، ابتدأ عمله بأن أصدر أمراً أن لا يقطف الفلاحون ثمار أراضيهم إلا بعد موافقته، وكان لا يسمح بقطافها إلا بعد أن تتلف، وأخيراًَ صادر 90% من الأراضي، أخذ هو نصفها وأعطى الإمبراطور نصفها، ونهب جميع ممتلكات الفلاحين المسلمين..
أمرهم أن يبنوا كنيسة كبرى في الإقليم فبنوها..
ثم أمرهم أن يعمروا كنيسة عند مدخل كل قرية أو بلدة ولم يكتف بذلك بل بنى دوراً للعاهرات حول المساجد ومعها الحانات التي كان يسكر فيها الجنود، ثم يدخلون إلى المساجد ليبولوا بها ويتغوطوا، وليراقصوا العاهرات فيها وهم سكارى. كما فرض على الفلاحين أن يبيعوا أبقارهم لشركة أكودا اليهودية.
كافأه الإمبراطور على أعماله هذه بأن عَّينه وزيراً للداخلية..
كانت حكومة الإمبراطور تلاحق كل مثقف مسلم لتزجه في السجن حتى الموت، أو تجبره على مغادرة البلاد حتى يبقى شعب أرتيريا المسلم مستعبداً جاهلاً، وغير ذلك كثير(4).
4- ومن بنغلاديش:
قتل الجيش الهندي الذي كان يقوده يهود عشرة آلاف عالم مسلم بعد انتصاره على جيش باكستان عام 1971، وقتل مائة ألف من طلبة المعاهد الإسلامية، وموظفي الدولة، وسجن خمسين ألفاً من العلماء وأساتذة الجامعات، وقتل ربع مليون مسلم هندي هاجروا من الهند إلى باكستان قبل الحرب، وسلب الجيش الهندي ما قيمته (30) مليار روبية من باكستان الشرقية التي سقطت من أموال الناس والدولة(5). ولن نتعرض هنا لأشكال التعذيب التي صبها الجيش الهندي على المسلمين العزل في ما دعي بعد ذلك ببنغلاديش.
* * *
والأمثلة من كل مكان من العالم الإسلامي، يكاد الصدر يتفجر ضيقاً من تذكرها. لكنها بداية الخلاص إن شاء الله..
إنها سياط اليقظة التي ستذهب نوم القرون، وتخرج من تحت الأرض سكان القبور، وما ذلك على الله بعزيز.
[size=29]نتساءل أخيراً:[/size]
هل مواقف الغرب وأتباعه التي رأيناها هي مواقف عاطفية استثنائية؟!..
لا.. إنها مواقف مقررة مسبقاً في فكر الغرب وعقول قادته..
يمارسها الغربيون وأتباعهم عن تصميم واقتناع كامل، وبإرادة واعية تماماً.. وعن عمد..
ولماذا ذلك كله..؟!!
هذا ما سنبينه بوضوح في هذه الدراسة التي سنبنيها على أقوال قادة الغرب فقط.. دون أن ندخل فيها أي اجتهاد أو استنتاج لتسهل الحجة، ويظهر الحق، ويستنير طريق المضللين الذين يمارسون بأيديهم إبادة مقومات القوة في أممهم ليسهلوا على العدو الكبير المتربص التهامها.
وما أفظعها من مهمة يمارسها العملاء..
حين يدمرون أممهم،
ثم يدفعونها في فم الغول الاستعماري البشع..
ليلتهمها..
فيارب متى ينتبهون..؟!!.
* * *