كُنّا أسياداً في الغابة.
قطعونا من جذورنا
قيّدونا بالحديد. ثمّ أوقفونا خَدَماً على عتباتهم.
هذا هو حظّنا من التمدّن
ليس في الدُّنيا مَن يفهم حُرقةَ العبيد
مِثلُ الأبواب
ليس ثرثاراً
أبجديتهُ المؤلّفة من حرفين فقط
تكفيه تماماً
للتعبير عن وجعه
( طَقْ )
وَحْدَهُ يعرفُ جميعَ الأبواب
هذا الشحّاذ
ربّما لأنـه مِثلُها
مقطوعٌ من شجرة
يَكشِطُ النجّار جِلدَه
فيتألم بصبر
يمسح وجهَهُ بالرَّمل
فلا يشكو
يضغط مفاصِلَه
فلا يُطلق حتى آه
يطعنُهُ بالمسامير
فلا يصرُخ
مؤمنٌ جدّاً
لا يملكُ إلاّ التّسليمَ
بما يَصنعهُ
الخلاّق
( إلعبوا أمامَ الباب )
يشعرُ بالزَّهو
السيّدةُ
تأتمنُهُ على صغارها
قبضَتُهُ الباردة
تُصافِحُ الزائرين
بحرارة
صدرُهُ المقرور بالشّتاء
يحسُدُ ظهرَهُ الدّافىء
صدرُهُ المُشتعِل بالصّيف
يحسدُ ظهرَهُ المُبترد
ظهرُهُ، الغافِلُ عن مسرّات الدّاخل،
يحسُدُ صدرَهُ
فقط
لأنّهُ مقيمٌ في الخارِج !
يُزعجهم صريرُه.
لا يحترمونَ مُطلقاً..
أنينَ الشّيخوخة !
ترقُصُ ،
وتُصفّق
عِندَها
حفلةُ هواء
مُشكلةُ باب الحديد
إنّهُ لا يملِكُ
شجرةَ عائلة
حَلقوا وجهَه.
ضمَّخوا صدرَه بالدُّهن
زرّروا أكمامَهُ بالمسامير الفضّية
لم يتخيَّلْ،
بعدَ كُلِّ هذهِ الزّينة،
أنّهُ سيكون
سِروالاً لعورةِ منـزل
طيلَةَ يوم الجُمعة
يشتاق إلى ضوضاء الأطفال
بابُ المدرسة
طيلةَ يوم الجُمعة
يشتاقُ إلى هدوء السّبت
بابُ البيت
كأنَّ الظلام لا يكفي..
هاهُم يُغطُّونَ وجهَهُ بِستارة
( لستُ نافِذةً يا ناس
ثُمّ إنني أُحبُّ أن أتفرّج
لا أحد يسمعُ احتجاجَه
الكُلُّ مشغول
بِمتابعة المسرحيّة
أَهوَ في الدّاخل
أم في الخارج ؟
لا يعرف
كثرةُ الضّرب
أصابتهُ بالدُّوار
بابُ الكوخ
يتفرّجُ بكُلِّ راحة
مسكينٌ بابُ القصر
تحجُبُ المناظرَ عن عينيهِ، دائماً،
زحمةُ الحُرّاس
(يعملُ عملَنا
ويحمِلُ اسمَنا
لكِنّهُ يبدو مُخنّثاً مثلَ نافِذة
هكذا تتحدّثُ الأبوابُ الخشَبيّة
عن البابِ الزُّجاجي
لم تُنْسِهِ المدينةُ أصلَهُ
ظلَّ، مثلما كان في الغابة،
ينامُ واقفاً
المفتاحُ
النائمُ على قارعةِ الطّريق ..
عرفَ الآن،
الآن فقط،
نعمةَ أن يكونَ لهُ وطن،
حتّى لو كان
ثُقباً في باب!
مَن الطّارق ؟
أنا محمود
دائماً يعترفون ..
أولئكَ المُتّهمون بضربه
ليسَ لها بيوت
ولا أهل
كُلَّ يومٍ تُقيم
بين أشخاصٍ جُدد..
أبوابُ الفنادق
لم يأتِ النّجارُ لتركيبه.
كلاهُما، اليومَ،
عاطِلٌ عن العمل !
- أحياناً يخرجونَ ضاحكين،
وأحياناً .. مُبلّلين بالدُّموع،
وأحياناً .. مُتذمِّرين
ماذا يفعلونَ بِهِم هناك ؟
تتساءلُ
أبوابُ السينما
(طَقْ .. طَقْ .. طَقْ )
سدّدوا إلى وجهِهِ ثلاثَ لكمات..
لكنّهم لم يخلعوا كَتِفه
شُرطةٌ طيّبون
(24)
على الرّغمَ من كونهِ صغيراً ونحيلاً،
اختارهُ الرّجلُ من دونِ جميعِ أصحابِه
حَمَلهُ على ظهرِهِ بكُلِّ حنانٍ وحذر
أركَبهُ سيّارة
( مُنتهى العِزّ )..قالَ لنفسِه
وأمامَ البيت
صاحَ الرّجُل: افتحوا ..
جِئنا ببابٍ جديد
لدورةِ المياه
- نحنُ لا نأتي بسهولة
فلكي نُولدَ،
تخضعُ أُمّهاتُنا، دائماً،
للعمليّات القيصريّة
يقولُ البابُ الخشبي،
وفي عروقه تتصاعدُ رائِحةُ المنشار
- رُفاتُ المئات من أسلافي ..
المئات
صُهِرتْ في الجحيم ..
في الجحيم.
لكي أُولدَ أنا فقط.
يقولُ البابُ الفولاذي
- حسناً..
هوَ غاضِبٌ مِن زوجته
لماذا يصفِقُني أنـا ؟
لولا ساعي البريد
لماتَ من الجوع
كُلَّ صباح
يَمُدُّ يَدَهُ إلى فَمِـه
ويُطعِمُهُ رسائل
( إنّها الجنَّـة ..
طعامٌ وافر،
وشراب،
وضياء ،
ومناخٌ أوروبـّي
يشعُرُ بِمُنتهى الغِبطة
بابُ الثّلاجة
- لا أمنعُ الهواء ولا النّور
ولا أحجبُ الأنظار
أنا مؤمنٌ بالديمقراطية
- لكنّك تقمعُ الهَوام
- تلكَ هي الديمقراطية
يقولُ بابُ الشّبك
هاهُم ينتقلون
كُلُّ متاعِهم في الشّاحِنة
ليسَ في المنـزل إلاّ الفراغ
لماذا أغلقوني إذن ؟
وسيطٌ دائمٌ للصُلح
بين جِدارين مُتباعِدَين
في ضوء المصباح
المُعلَّقِ فوقَ رأسهِ
يتسلّى طولَ الليل
بِقراءةِ
كتابِ الشّارع
( ماذا يحسبُ نفسَه ؟
في النّهاية هوَ مثلُنا
لا يعملُ إلاّ فوقَ الأرض
هكذا تُفكِّرُ أبواب المنازل
كُلّما لاحَ لها
بابُ طائرة
من حقِّهِ
أن يقفَ مزهوّاً بقيمته
قبضَ أصحابُهُ
من شركة التأمين
مائة ألفِ دينار،
فقط ..
لأنَّ اللصوصَ
خلعوا مفاصِلَه
مركزُ حُدود
بين دولة السِّر
ودولة العلَن
ثُقب المفتاح
- محظوظٌ ذلكَ الواقفُ في المرآب
أربعُ قفزاتٍ في اليوم..
ذلكَ كُلُّ شُغلِه
- بائسٌ ذلك الواقفُ في المرآب
ليسَ لهُ أيُّ نصيب
من دفءِ العائلة
ركّبوا جَرَساً على ذراعِه
فَرِحَ كثيراً
مُنذُ الآن،
سيُعلنون عن حُضورِهم
دونَ الإضطرار إلى صفعِه
أكثرُ ما يُضايقهُ
أنّهُ محروم
من وضعِ قبضتهِ العالية
في يدِ طفل
احمد مطر