أنتظر رمضان ، كحبيب أدري أنه لن يزورني سوى مرة في العام .
لذا عندما يحلّ ، أُعيش كلّ يوم فيه كأنه لن يُقدّر لي أن أصوم يوماً بعده.
وأقضي كلّ ليلة من لياليه ، كأنمّا هي ليلة القدر .
فكل لياليه مفتوحة على أبواب السماء ، وكلّ موائده ممدودة بخير يفوق ما عليها .
كلّما تواضعت مائدة إفطاري ، شعرت بأن روحي امتلأت بما نقص في وجبتي.
أن نفسي سكنتها طمأنينة من يملك كنزاً ، وحده يدرك مكمنه .
برغم جهلي إعداد موائد رمضان العامرة ، قلّما أقبل دعوة للإفطار.
فأنا أُحبّ أن أعيش لحظة رفع آذان المغرب وحدي ،
فدوماً كان لِوَقع كلمة « الله أكبر » في نفسي ،
رهبةً تضعني في أيامه الأولى على حافة البكاء ، وتشغلني عن الأكل بالدعاء ،
و لا أريد حينها أن أُشهد أحداً على دموعي ، ولا أودّ مجاملة له ، أن أخسر هيبة لحظة ،
قضيت يوماً في انتظارها ، وفيها يُختصر كلّ جمال الصيام .
لا أحد.. ولا حتى أختي التي أقامت لسنوات في بيروت ،
وحافظت على عاداتنا في إعداد طاولة إفطار شهيّة ،
تفهّمت غرابة أطواري ، و إصراري على البقاء في بيتي الجبليّ ،
منقطعة عن كل المباهج الرمضانية ، محرومة ممّا أحبّ من أطباق جزائرية ،
لتوفير ساعات كنت سأهدرها في التنقُّل بين برمانا وبيروت ،
كلما لبّيت دعوة للإفطار . في الواقع ، لقد تركَت سنوات غربتي الطويلة في فرنسا
بصماتها على نفسي ، وهذّبت حواسي ، حتى غَدَت حاجتي في رمضان إلى خلوتي ،
تفوق شهيتي المفتوحة عادة للطعام .
يتبع ...