يعرف العلم بأنه المجال المعرفي اللامتناهي الذي تتم من خلاله توسيع الأفكار البشري عن طريق تزويد الإنسان ووصوله لأحدث النتائج والمعلومات وتصنيفها وتوثيقها بعد دراستها وتمحيصها والبحث فيها وفي الدلائل المشيرة إليها.
وقد أثبت التاريخ على مر العصور عدم نهاية العلم وعدم ثباته وكذلك عدم دقته كثيرا فمنذ الأزل والإنسان يتطور على مختلف الصور والأشكال من العصر البدائي للعالم المعاصر مرورا بالعصور الوسطى والعصر الحديث...........
فمثلا في العصر البدائي تم اكتشاف النار كوسيلة للإنارة ثم تطورت لتصبح قناديل لتصبح كهرباء عن طريق الضغط على الزر.......... لكن بعض الشعوب وصلت لنموذج استخدام الكهرباء بالصوت فقط أي تقديم الأوامر للآلة لتقوم بتشغيل الكهرباء..........
كما أثبت عدم ثباته لكونه مبني على ملاحظات البشر ومعايناتهم الدائمة وهم بالأغلب يستندون لمقومات اجتماعية وبنى ثقافية متباينة بين المجتمعات البشرية المتعددة لذا فالعلم يتخذ غالبا صفة المجتمع الذي يطور أولا وبالتالي هو لا يقف مكانه بل يتأرجح بين تنوع المجتمعات واختلاف البيئة الفكرية لكل مجتمع والتوقيت الزمني الذي يسير عليه المجتمع الدولي..........
فمثلا الفكر الغربي المستند على اللائكية يبني كل نظرياته وأفكاره من منطبق العلوم ولا يدخل الدين أو الأخلاق في الأمر وكذلك البيئة الغربية تبني أفكارها وفق منظور تلاشي الدور الكبير للأعراف القديمة فنراه يؤسس لمجتمع أشبه بالآلة منه إلى البشر وكذلك الزمن يؤثر حيث لم تكن بعض الشعوب القديمة تقبل بوجود بعض النظريات العلمية على رفض فكرة أن الأرض بيضوية الشكل وتدور على نفسها وعلى الشمس في نفس الوقت وتم أيضا رفض فكرة تشريح جثة الإنسان لمعرفة أسرار الجسم الإنساني داخليا وعدة أفكار أيضا بسبب عاملي الزمن والبيئة الفكرية للشعوب..........
لكن هناك من وضع في الوقت المعاصر نجد بعض الأشخاص يطلقون تصنيفات على العلم أثبت غيرهم عدم صحتها وهي مصطلح العلم الحيوي والعلم الميت وهناك العلم الحركي والعلم الجامد...
مصطلحات لم تلق القبول لدى العديد من العلماء لكونها لا تنم عن أي شيء فالعلم من تعريفه يعني أنه لا متناهي أي حي على الدوام وإنما البشر هم من يفنون وأفكارهم تبقى ليطورها غيرهم... ويعني أيضا أنه غير ثابت لأنه حركي على الدوام ولا يثبت على حال.......... فكيف نسمي علما بأنه ثابت وآخر متحرك وعلم ميت وغيره حي؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لكن الإجابة أن هناك علم وهنك شبيه بالعلم يطلق عليه البعض تسمية التطبيقات أو الوسائل لتطبيق العلم.......... فالاقتصاد والسياسة والدين واللغة والاجتماع والنفس والطب والعلوم التجريبية وغيرها علوم لها ماض كبير وحاضر واسع وأفق شاسع ولا تزال البشرية في طور البداية ولم تأخذ منها إلا القليل لكن الصحافة والحقوق كمثال يمكن اعتبارهما وسيلة لتطبيق هذا العلم....... لأنه في الوقت الذي يتعلم فيه عالم الاقتصاد الأسس المؤطرة لعلمه وكيفية الخروج من المآزق بنظريات تتغير على الدوام لعدة عوامل ذكرت في السابق... وحين ينهمك عالم الاجتماع والنفس واللغة والدين في التوغل لأعماق المجتمعات البشرية لدراسة تغيراتها ووضع منطلقات لدراستها ومناهج لتسييرها مستقبلا بأقل الأزمات وحينما ينشغل عالم السياسة بوضع بنى لدراساته حول تطور أنظمة الحكم منذ القدم وإعطاء تصورات مستقبلية لتفادي مفاجآت قد تطرأ وتقلب الأمور للأسوأ..... يقوم الصحافي بالتمرن على اللغات وطرق كتابة المقال وكيفية إجراء مقابلة وتغطية حدث يكون دوره فيه طرح الأسئلة لا أكثر ويكون المجيب فيها أحد العلماء السابقين حسب نوع الحدث ويتركون للعلماء دور تطوير التكنولوجيا والتقدم في مجال المعلوماتية ليحتكروها ويستعينوا بها في آخر المطاف على أساس أنها ملكهم... بينما يكون دارس الحقوق مهتما بالاطلاع على ما توصل إليه العلماء السابقين من نظريات في علومهم ليقوم هو بتأطيرها في قالب قوانين جديدة تطرأ على الدستور الوطني الذي غالبا لا يتغير منه شيء وبالتالي يبقى المحامون والقضاة ومن جاورهم في نفس المهنة مهمة واحدة هي المحافظة على احترام وتقديس القوانين فلا شيء جديد يقومون به إلا حين يقوم أحد العلماء السابقين باكتشاف جديد يوضع على اللائحة القانونية........ لذا فباقي العلماء يستطيعون العمل كصحفيين ويمتهنون دور المحامي لاطلاعهم على كافة الأمور المتعلقة بعلمهم لكن لا يستطيع الصحفي أن يتقمص دور طبيب أو يأخذ مكان عالم الاقتصاد والمحامي لا يحق له سوى بدراسة جزء واحد من العلم الذي يختاره كأن يختص في ميدان التجارة من علم الاقتصاد حيث لا يحق له الاطلاع بكامل علم الاقتصاد لكن عالم الاقتصاد لمضطلع بشئون علمه وخباياه يستطيع الحلول مكانه..........
وبالتالي فالسياسة والاقتصاد والدين واللغة والطب والاجتماع والنفس والهندسة كلها علوم لأنها تتطور بتغير العوامل المذكورة آنفا من العصر والبيئة........ وتتقدم كثيرا من فترة لأخرى بدليل تغير الأنظمة الحاكمة لأنه لم يعد للأمثال الأوليغارشية والثيوقراطية مكان في قاموس الشعوب.. والأنظمة الاقتصادية عرفت أقوى أوجها بعد انهيار النظام الإسلامي حيث ظهرت الاشتراكية والرأسمالية لتنهار الاشتراكية وتبقى الرأسمالية في الريادة رغم وجود من يؤكد على قرب انهيارها وظهور نظام اقتصادي آخر.. والدين عرف أيضا تطورا كبيرا بسبب تغير الأجواء فتكيفت مع الواقع الدولي بظهور أحكام دينية جديدة تطابق الأولى ولكنها متطورة ومتميزة بأنها من اجتهاد العلماء والفقهاء.. واللغة تغيرت كثيرا وانسلخت من جلد اللغة الأقدم ولا تزال تشق طريقها نحو التغير أكثر.. والطب لا يختلف عن غيره من العلوم فالتكنولوجيا تتقدم والطب يستفيد منها لإنقاص موجة الأمراض والأوبئة التي كانت سائدة قبلا والتي زال أغلبها بفضل تطوره وعدم ثبوته.. ونتيجة لتطور المجتمعات وثقافاتهم وبيئاتهم تطور علم الاجتماع والنفس أيضا وأصبحا يستعينان بتقنيات جديدة وعالية ومتناسبة مع الواقع المعيش.. والهندسة تطورت عبر الزمن لتبهر العالم بصور جديدة لعالم جديد فبدلا من فن العمارة الإسلامية والرومانية ظهرت مدن عصرية مختلفة كثيرا عما سبقها..
وباختصار العلم هو الذي يتقدم ويحيا ولا يركن في زاوية وينتظر أن تطوره علوم أخرى وهو يأتي بكل بساطة ويستخدمها ضمن إطاره الخاص ويحوزها دونما حق له فيها...........
وعلم السياسة يحفظ مكانته دوما على مر العصور بين مجموع العلوم الأخرى بما أقامه أبناؤه في الماضي وبما لا يزال يقاوم حتى اليوم..........
لكن ما هو هذا العلم؟ علام يرتكز؟ وما هو مستقبله؟
أولا السياسة لفظة نعني بها الطريقة والوسيلة والمنهاج فعندما نقول أننا نريد إتباع سياسة معينة فإننا نقصد طريقة ما للوصول إلى نقطة معينة كأن نقول البنك يقوم بسياسة التهيئة والتوجيه للسنة المقبلة... البرلمان يعرض سياسة جديدة للتوزيع العادل للثروة... الأحلاف تقدم سياسة مبتكرة للمفاوضات مع الطرف الثاني... القاضي يطرح حكمه النهائي بشأن سياسة التسوية بين الطرفين... الاتحاد السوفياتي يطبق سياسة القوة لحكم كياناته الخمسة عشر... الجيش يخطط لسياسة توسع جديدة... المفتي يطلق سياسة جديدة لمعالجة أزمات الشباب... التكنولوجيا تمنح الأطباء فرصة لتطوير سياساتهم في مواجهة الأمراض الفتاكة... علماء الاجتماع والنفس يقرون بوجود سياسات كثيرة لم يتم التطرق إليها لحماية مجتمعات العالم الثالث من خطر العولمة.......
وبالتالي أول ما تعنيه اللفظة عند نطقها الطريقة والوسيلة والمنهج المتبع للوصول للأهداف المرسومة وهي كما يبدو مرتبطة بجميع المجالات المعتددة والحيوية: المال, الاقتصاد, الاجتماع والنفس, الجيش, الطب, الدين, الفن بأشكاله..... إلخ.
أما السياسة اصطلاحا فهي فتأتي من الألفاظ: ساس, يسوس, سياسة... أي: قاد, يقود, قيادة... وكذلك: حكم, يحكم, حكما... أي هي طريقة إقامة نظام حكم متين وجيد حسب العوامل المتوفرة من بنى اقتصادية.. قواعد الحكم.. تأثير الأعراف والدين... إلخ.
ومن هنا نجد أن كل نظام سياسي مرتبط بعامل في قيامه وفي سقوطه وفي كل مراحل وجوده.. وحتى في التصرفات الداخلية من رجالات السلطة.. وحاشية النظام.. أي أن وجود السلطة موثق بالبيئة الداخلية خصوصا والبيئة الخارجية عموما...
حيث تصبح المشكلة أمام القائد أيا كانت صفته: رئيس.. ملك.. زعيم... هي إيجاد طريقة لوضع توازن بين جميع المجالات: اجتماع, اقتصاد, دين.. دون الاخلال بأحدها على حساب الآخر.. أي إنشاء شبكة سلطوية مهمتها خلق نوع من الحيوية والتكامل في العلاقة بين المجالات السابقة الذكر مع مراعاة خصوصية كل منها من جهة وتمتين أواصر العلاقة المشتركة بينها من جهة أخرى...
باختصار.. علم السياسة يعني فن الحكم والقيادة حسب العديد من العلماء أمثال الماوردي وابن خلدون وإيستون.. هو مجموع المحاولات النظرية والتطبيقية والأطر المنهجية والدراسات المتنوعة منذ القدم للآن والمقتصر دورها على إيجاد كافة الحلول لإقامة نظام جيد ومتين ومتماسك.. وهو كل محاولات دراسة وتحليل الأنظمة السابقة والحالية والمقارنة بينها ومحاولة الخروج بنتائج تفيد الأنظمة الموجودة على أرض الواقع للاستفادة من تجارب الأنظمة السابقة ومحاولة تجنب أخطائها..
وللوصول إلى هذا وجب على القائد أن يمتلك الشروط التالية:
• الكاريزما أو التاريخ وأحيانا معا.
• الإحاطة بكل ما يدور داخل دولته والاستعلام عن أمور القطاعات فيها بالأخص الحيوية منها كالطاقة والاستثمارات والوضع الاجتماعي (بالنسبة لدولة بأعراق وأديان كثيرة كنيجيريا) ووضع المؤسسة العسكرية...
• التواصل الدائم مع شعبه.
• الاهتمام بالمناهج والمداخل والأصول النظرية لعلم السياسة لتسهيل مهمته في السلطة.
• الاطلاع على تاريخ الدول التي يتعامل معها.
• - أن يبتعد القائد السياسي عن العشوائية باتخاذ القرارات او حتى التفكير بها.
• - أن يبني مشروعه الفكري العملي مسبقا (أي قبل وصوله الى السلطة) بما يتلاءم مع سمات العصر وطموحات الرعية.
• - أن يعتمد المدنية هدفا لسياساته الشخصية او المقيّدة بمؤسسات الدولة.
• - أن تُلغى كليا عسكرة المجتمع وان تحتفظ السلطات التنفيذية بما يكفي لتحقيق الامن الوطني الداخلي والخارجي.
• - أن يهتم القائد السياسي بمنابع الفكر والثقافة وينميها من خلال موقعه التنفيذي القادر على نقل المجتمع من حالة (العسكرة المنبوذة الى المدنية الراقية).
• - أن يعتمد القائد السياسي معايير النزاهة الصارمة مع مصالحة الشخصية والعائلية والحاشية التي غالبا ما تكون (رأس الأفعى).
• - أن يكون القائد السياسي نموذجا لغيره في السعي لتحقيق الدولة العصرية المتمدنة، سواء من خلال القول او الفعل العام والشخصي على حد سواء.
