الله جل في علاه صاحب الكمال والجلال المطلق: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (الذاريات:58)، والإنسان صاحب العجز والنقص والضعف الكامل: (وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا) (النساء:28)، الله وحده هو القادر على كل شيء، والإنسان عاجز عن فعل شئ إلا بأمره سبحانه "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم"، عين الله "بلا تجسيد ولا تشبيه" تبصر كل شئ (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الأنعام:103)، وعين الإنسان لا تبصر إلا جزء الشئ، سمع الله يدرك كل شئ في هذه الحياة: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ) (الزخرف:80)، وسمع الإنسان محدود بذبذبات وإطار صغير، ولو شاء الله لختم على سمعنا وأبصارنا: (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) (الشعراء:212)، من الكمال الرباني أنه سبحانه: (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ) (البقرة:255)، لكن النقص الإنساني يجعله لا يستغني عن النوم: (وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ) (الروم:23)، من الكمال الرباني أن الله حي لا يموت: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) (آل عمران:2)، (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) (الفرقان:58)، لكن النقص الإنساني يجعله يدخل إلى الحياة ويخرج منها بأجل معدود بيد رب هذا الوجود: (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (الأعراف:34)، (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) (العنكبوت:57)، من الكمال الرباني أنه يرزق من يشاء بغير حساب، فهو مستغنٍ بذاته عن غيره، ومن النقص الإنساني الشعور بالفقر والحاجة والعوز: (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا ) (الإسراء:100)، من الكمال الرباني أنه سبحانه الواحد الأحد الفرد الصمد الذي: (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) (الإخلاص: 3-4)، ومن النقص الإنساني: (وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا ) (النبأ:8)، ولا نستغني عن الناس حولنا كما قال الشاعر:
الناس للناس من بدو وحاضرة بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم
من الكمال الرباني أنه يعلم الغيب والشهادة: (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ) (الرعد:9)، (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ) (الأنعام:59)، ومن النقص الإنساني أنه تغيب عنه أكثر عالم الشهادة: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (البقرة:232).
فلا مناص من أن يستسلم الإنسان بنقصه وعجزه إلى صاحب الكمال والجمال والجلال المطلق، وإلا: (خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) (الحج:11).
________