المرأة المسلمة في الواقع التاريخي
نساء حاكمات
لا نقصد بحكم النساء للبلاد أن يكن لهن التأثير والنفوذ وتسيير الأمور عن طريق زوجها الحاكم أو ابنها أو سيدها ، فهذا الشكل لا يحصى وقد كثر في الدولة العباسية خاصة بشكل كبير بداية من الخزيران (1) بنت عطاء زوجة المهدي العباسي وأم بنيه الهادي وهارون وقد توفيت سنة 173 هـ ؛ مرورًا بقبيحة أم المعتز بالله (2) (ت 264) ، وفاطمة القهرمانة (3) (ت 299) ، وأم موسى الهاشمية قهرمانة دار المقتدر بالله (4) ، وأم المقتدر بالله شغب (5) (ت 321) . . . وغيرهن الكثير مما لا يحصى ولا يعد ، إنما نعني من حكمن البلاد وبعض الأقطار الإسلامية بطريقة مباشرة وواضحة .
فلقد حكم النساء بعض الأقطار الإسلامية في أزمنة مختلفة ، وإن كانت لم تلقب امرأة في الإسلام باللقب « الخليفة » ، ولكنها لقبت بألقاب دون ذلك منها : السلطانة ، والملكة ، والحرة ، وخاتون .
ويذكر التاريخ الإسلامي أن هناك أكثر من خمسين امرأة حكمن الأقطار الإسلامية على مِّ التاريخ بداية من ست الملك إحدى ملكات الفاطميين بمصر ، والتي حكمت في بداية القرن الخامس الهجري ؛ مرورًا بالملكة أسماء والملكة أروى اللتين حكمتا صنعاء في نهاية القرن الخامس الهجري ، وزينب النفزاوية في الأندلس ، والسلطانة رضية التي تولت الحكم بدلهي في منتصف القرن السابع الهجري ، وشجرة الدر التي تولت حكم مصر في القرن السابع كذلك ، وعائشة الحرة في الأندلس ، وست العرب ، وست العجم ، وست الوزراء ، والشريفة الفاطمية ، والغالية الوهابية ، والخاتون ختلع تاركان ، والخاتون بادشاه ، وغزالة الشبيبة ، وغيرهن كثير .
وحتى لا نطيل ثم نتخير نماذج من النساء اللاتي حكمن البلاد ، نتكلم عنهن بشكل أكثر تفصيلاً ، ولنبدأ بست الملك :
1- ست الملك ملكة الفاطميين :
إحدى ملكات الفاطميين بمصر ست الملك ( ولدت سنة 359هـ ) ، وقد استحوذت على السلطة بعد أن نظمت عملية ( اختفاء ) أخيها الحاكم بأمر الله ، الخليفة الفاطمي السادس سنة 411هـ ، ويذكر أنه قتله قال الذهبي : « وتحالفت مع الأمير ابن دواس فذهبت إليه سرًّا فقبل قدمها ، فقالت : جئت في أمر أحرس نفسي ونفسك قال : أنا مملوكك ، قالت : أنت ونحن على خطر من هذا ، وقد هتك الناموس الذي قرره آباؤنا وزاد به جنونه وعمل ما لا يصبر عليه مسلم ، وأنا خائفة أن يقتل فنقتل وتنقضي هذه الدولة أقبح انقضاء ، قال : صدقت ، فما الرأي ؟ قالت : تحلف لي ، وأحلف لك على الكتمان فتعاقدا على قتله (6) .
وكانت لها دوافعها إلى ذلك ؛ إذ أن تجاوزات أخيها فاقت الحد ، فبعد أن كان يسلط قهره على الضعاف والكلاب التي قرر القضاء عليها ، والنساء اللائي منعهن من الخروج ، فحرق القاهرة ومنع سكانها من العمل في النهار وأمرهم بالعمل في الليل حتى يخرج بموكبه إلى الشوارع ليلاً فيراها تضج بالحركة ، استفاق ذات يوم ليعلن ألوهيته ويطالب جماهير القاهرة وضمنهم ست الملك بعبادته .
2- الملكة أروى ملكة صنعاء :
هي أروى بنت أحمد بن جعفر الصليحية ملكة حازمة مدبرة يمانية ، ولدت في حراز باليمن عام 440 هـ ، ونشأت في حجر أسماء بنت شهاب الصليحية ، وتزوجها ابنها .
وقد لعبت دوراً كبيراً في نشر المذهب الفاطمي في آسيا ، وبصورة خاصة في بومباي بالهند ، عن طريق الدعاة الفاطميين الذين انطلقوا من اليمن في فترة حكمها .
فبعد وفاة الملكة أسماء (1087 م/480هـ ) عهد ابنها الملك المشلول إدارة البلاد رسميًّا إلى زوجته أروى ، التي استطاعت تأمين استمرار السلطة بأيدي الصليحيين في اليمن ، وبعد استتباب الأمن والاستقرار ، قررت الانتقام من سعيد الزبيدي قاتل عمها ، فنقلت عاصمتها إلى جبالة المحصنة بالجبال ، وأخذت تضيق الخناق على سعيد الزبيدي . وبعد أن تحالفت مع البلدان الأخرى استطاعت سحق جيش سعيد وقتله ، وأخذ زوجته أسيرة .
وقامت بتدبير المملكة والحروب إلى أن مات المكرم سنة 484 هـ ، وخلفه ابن عمه سبأ بن أحمد ، فاستمرت في الحكم ترفع إليها الرقاع ويجتمع عندها الوزراء ، وتحكم من وراء حجاب ، وكان يدعى لها على منابر اليمن ، فيخطب أولاً للمستنصر ، ثم للصليحي ، ثم للحرة ، ومات سبأ سنة 492 هـ وضعف ملك الصليحيين ، فتحصنت بذي جبلة واستولت على ما حوله من الأعمال والحصون ، وأقامت لها وزراء وعمالاً ، وامتدت أيامها بعد ذلك أربعين سنة ، توفيت سنة 532 هـ بذي جبلة ودفنت في جامعها ولها مآثر وسبل وأوقاف كثيرة ، وهي آخر ملوك الصليحيين (7) .
3- تركان خاتون :
هي تركان خاتون بنت خاجنكش زوجة السلطان تكش بن آيل رسلان ، كانت ذا مهابة ورأي ، تحكمت في البلاد سنة 628 وكانت إذا رفعت إليها المظالم تحكم فيها بالعدل والإحسان ، وتنتصف للمظلومة من الظالم ، ولم تبال من أن تقتص منه بالقتل ، ولها خيرات ومسبلات ومبرات في أنحاء بلادها ، وكان لها من كتاب الإنشاء سبعة من مشاهير الفضلاء وسادات الأكابر ، وإذا ورد عنها وعن السلطان توقيعان مختلفان في قضية واحدة لم تنظر إلى في التاريخ فيعمل بالتوقيع الأخير بكافة الأقاليم ، وكان توقيعها « عصمة الدنيا والدين الغ تركان ملكة نساء العالمين » وعلامتها « اعتصمت بالله واحده » ، وكانت تكتبها بقلم غليظ وتجود الكتابة فيها بحيث يعسر أن تزور علامتها (8) .
4- رضية بنت التمش سلطانة الهند :
رضية الدنيا والدين تتحدر السلطانة رضية من أسرة تركية من المماليك . تولت السلطة في دلهي عام ( 1236م الموافق 634هـ ) بعد وفاة والدها السلطان إيلتوتمش خان ، وهو أحد القادة العسكريين الذين أرسوا دعائم الدولة الإسلامية في الهند . كان والدها السلطان قد اختارها بدل أخويها ؛ لذكائها وقوتها ومواهبها في إدارة شؤون البلاد ، وعدم قدرة أخويها ، وكان أول قرار ملكي أصدرته ، سك النقود باسمها واختيار لقب لها هو ( رضية الدنيا والدين ) . وعندما حاول أمراء الحاشية والجيش إبعادها عن العرش ، مترافقاً مع قيام أخيها الأكبر بقتل أخيها الأصغر ، باءت محاولاتهم بالفشل حيث اعتمدت على الشعب الذي ثار ضد أخيها وأمرت بقتله .
فهي ملكة من ملوك الهند كانت ذات سلطة ونفوذ وإدارة ، استقلت بالحكم أربع سنين ، وقتلت في 25 ربيع أول سنة 637 وقبرها على شاطئ نهر جمن بالقرب من دلهي (9) .
5- شجرة الدر ملكة مصر والشام :
وهي من شهيرات الملكات في الإسلام ، ذات إدارة وحزم وعقل ودهاءن وبر وإحسان ، ملكها الملك الصالح في أيام والده ، واستولدها ولده خليل ثم تزوجها ، وصحبته ببلاد الشرق ثم قدمت معه إلى البلاد المصرية ، فعظم أمرها في الدولة الصالحية ، وصار إليها غالب التدبير في أيام زوجها ثم في مرضه ، وكانت تكتب خط يشبه خط الملك الصالح فتعلم على التواقيع ، ولقد باشرت الحكم ، وأخذت توقع عن السلطان مراسيم الدولة إلى أن وصل تورانشاه إلى المنصورة ، فأرسل إليها يهددها ويطالبها بالأموال ، فعملت على قتله فقتل في 7 محرم 648 هـ ، ولما قتل وقع الاتفاق على تولية شجرة الدر السلطنة فتولتها ، وقبل لها الأمراء الأرض من وراء الحجاب ، فكانت تاسع من تولى السلطنة بمصر من جماعة أيوب وكان ذلك في 2 صفر سنة 648 ، وجعلوا عز الدين أيبك الصالحي التركماني أتابك عسكرها ، وساست الرعية أحسن سياسة ، فرضي الناس عن حكمها خير رضاء ، وكانت تصدر المراسيم وعليها توقيع شجرة الدر بخطها باسم والدة خليل ، وخطب في أيام الجمع باسمها على منابر مصر والشام ، وضرب السكة باسمها ونقش عليها : «السكة المستعصمية الصالحية ملكة المسلمين والدة الملك المنصور خليل » ، وما إن جلست شجرة الدر على عرش الحكم حتى قبضت على زمام الأمور ، وأحكمت إدارة شئون البلاد ، وكان أول عمل اهتمت به هو تصفية الوجود الصليبي في البلاد ، وإدارة مفاوضات معه ، انتهت بالاتفاق مع الملك لويس التاسع الذي كان أسيرًا بالمنصورة على تسليم دمياط ، وإخلاء سبيله وسبيل من معه من كبار الأسرى مقابل فدية كبيرة قدرها ثمانمائة ألف دينار ، يدفع نصفها قبل رحيله ، والباقي بعد وصوله إلى عكا ، مع تعهد منه بعدم العودة إلى سواحل الإسلام مرة أخرى ، وكانت خيّرة دَيِّنة ، رئيسة عظيمة في النفوس ، ولها مآثر وأوقاف على وجوه البر ، معروفة بها وقد قتلت في نهاية ربيع أول سنة 655 هـ (10) .
6- السلطانة خديجة سلطانة الهند :
هي السلطانة خديجة بنت عمر بن صلاح الدين البنجالي من سلطانات الهند ، نشأت وترعرت في بلاط أبيها ، وتلقت من العلم والثقافة ما جعلها من أندر نساء زمانها أدبًا وكمالاً ومعرفة ، ولما توفى والدها خلفه في السلطنة أخوها شهاب الدين فكان سيء السيرة فخلعه الشعب سنة 740 هـ ونادى بأخته خديجة سلطانة على عرش أبيها ، وولى زوجها خطيب الدولة جمال الدين الوزارة فاعتمد عليه السلطانة في مهام الأمور وراقبت شئون الدولة مراقبة الخبير ، وتوفيت سنة 770 هـ (11) .
------------------------------
(1) تاريخ الطبري ( ج4 ص 623 ج8 ص 234 ) تاريخ بغداد ( ج 14 ص 430 ) .
(2) تاريخ الطبري ( ج5 ص 514 ) أعلام النساء ( ج 4 ص 184 ) .
(3) البداية والنهاية ( ج11 ص 118 ) أعلام النساء (ج 4 ص 91 ) .
(4) أعلام النساء (ج5 ص 123 ) .
(5) البداية والنهاية ( ج11 ص 175 ) أعلام النساء (ج5 ص 67 ) .
(6) سير أعلام النبلاء للذهبي ( ج15 ص 181 ) .
(7) الأعلام للزركلي ( ج1 ص 289 ) أعلام النساء ( ج1 ص 27 ، 253 ) .
(8) أعلام النساء ( ج1 ص 169 ) .
(9) الإعلام بما في الهند من الأعلام ( ج1 ص 99 ) أعلام النساء ( ج1 ص 449 ) .
(10) النجوم الزاهرة ( ج6 ص 333) أعلام ( ج2 ص 286 ) .
(11) رحلة ابن بطوطة (ج2 ص 661 ) إعلام النساء ( ج1 ص 338 ) .
نساء قاضيات
رغم أن فقهاء المسلمين اختلفوا في حكم تولي المرأة القضاء ، وذهب الجمهور إلى عدم جواز توليها القضاء مطلقاً ، وذهب الأحناف إلى جواز توليها القضاء فيما تصح شهادتها فيه من الأحكام ، وذهب آخرون إلى الإباحة المطلقة لقضاء المرأة في جميع الأحكام وهم الإمام محمد بن جرير الطبري ، وابن حزم الظاهري وابن طراز الشافعي وابن القاسم ورواية عن الإمام مالك .
إلا أن المصادر التاريخية لم تسجل لنا إلا حالة واحدة تولت فيه القضاء امرأة ، وهي ثمل قهرمانة شغب أم المقتدر .
ثمل القهرمانة القاضية :
وكانت من ربات النفوذ والسلطان في الدولة العباسية أيام المقتدر ، فكانت الساعد الأيمن لأم المقتدر ، تلي شئون الدولة وسياستها ، وبلغ من اعتماد أم المقتدر على ثمل أن أمرتها تجلس بالرصافة سنة 306 هـ للمظالم ، وتنظر في كتب الناس يومًا في كل جمعة ، فأنكر الناس ذلك واستبشعوه وكثر عيبهم له والطعن فيه ، فجلست أول يوم فلم يكن لها فيه طائل ، ثم جلست في اليوم الثاني وأحضرت القاضي أبا الحسن ابن الأشناني فحسن أمرها وأصلح عليها ، وخرجت التوقيات وعليها خطها على سداد ، فانتفع بذلك المظلومون ، وسكن الناس إلى ما كانوا نافروه من قعودها ونظرها ، وكان يحضر في مجلسها القضاة والفقهاء والأعيان ، توفيت سنة 317 (1) .
وهكذا لم يسجل غير تلك الحالة في النساء اللواتي تولين القضاء ، وإن كان حالات تولي السلطة العليا والحكم والملك أعلى من القضاء ، وقد كانت بعض تلك الملكات تقضي بين الناس في المظالم كذلك مثل تركان خاتون السلطان ، وكانت إذا رفعت إليها المظالم تحكم فيها بالعدل والإحسان ، وتنتصف للمظلوم من الظالم ، ولم تبال من أن تقتص منه بالقتل ، وكان توقيعها « عصمة الدنيا والدين الغ تركان ملكة نساء العالمين » وعلامتها « اعتصمت بالله واحده » ، وكانت تكتبها بقلم غليظ وتجود الكتابة فيها بحيث يعسر أن تزور علامتها (2) .
-----------------------------
(1) البداية والنهاية ( ج11 ص 129 ) المنتظم ( ج6 ص 148 ) شذرات الذهب ( ج1 ص 247 ) .
(2) أعلام النساء ( ج1 ص 169 ) .
نساء محاربات وقائدات جيوش
بدأ دور المرأة في الجهاد في نفس الوقت الذي بدأ فيه دور الرجل ، بل إن دور المرأة الفعلي سابق له ، فأول من استشهد في سبيل الله كان امرأة هي السيدة سيمة زوج ياسر ، وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أولى الفدائيات التي أمن وصول الطعام إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وصحابه أبي بكر الصديق ، كما أنها تلقت الأذى من أبي جهل في سبيل كتمان خبرهما .
فإن الدين الإسلامي طلب من المرأة الدفاع عن وطنها ، وأرضها ، وشعبها ، كما طلب ذلك من الرجل ، وقد أقر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مشاركة النساء في الجهاد والغزوات ، بل غزت المرأة مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كأم سليم بن ملحان ، وأم حرام بنت ملحان ، وأم الحارث الأنصارية ، والربيع بنت معوذ عفراء ، وأم سنان الأسلمية ، وأم سليط ، ليلى الغفارية ، كعيبة بنت سعيد الأسلمية ، وحمنة بنت جحش ، ورفيدة الأنصارية ، وأم زياد الأشجعية .
1- أم سليم بنت ملحان الأنصارية :
الغميصاء (1) ، ويقال : الرميصاء ، ويقال : سهلة ، ويقال : أنيفة ، ويقال : رميثة ، بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصارية الخزرجية ، أم خادم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنس بن مالك .
مات زوجها مالك بن النض ، ثم تزوجها أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري ، فولدت له أبا عمير ، وعبد الله ، شهدت أحد وأبلت فيها بلاء حسنًا ، وشهدت حنيناً مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومعها خنجر فقال أبو طلحة : يا رسول الله ، هذه أم سليم ، معها خنجر . فقالت : يا رسول الله ، أتخذه إذا دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه فتبسم رسول الله( صلى الله عليه وسلم ) (2) .
2- أم حرام بن ملحان :
أم حرام بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار ، الأنصارية ، النجارية ، المدنية ، أخت أم سليم ، وخالة أنس بن مالك ، وزوجة عبادة بن الصامت ، حديثها في جميع الدواوين سوى جامع أبي عيسى، كانت من علية النساء ، حدث عنها أنس بن مالك وغيره .
قال في بيتها يوما فاستيقظ وهو يضحك فقلت يا رسول الله ما أضحكك ؟ قال : عرض علي ناس من أمتي يركبون ظهر هذا البحر كالملوك على الأسرة, قلت : يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم. قال : أنت من الأولين. فتزوجها عبادة بن الصامت، فغزا بها في البحر، فحملها معه، فلما رجعوا، قربت لها بغلة لتركبها فصرعتها فدقت عنقها فماتت رضي الله عنها، قلت يقال هذه غزوة قبرس في خلافة عثمان رضي الله عنه (3) . فنالت الشهادة وغزت في سبيل الله رضي الله عنها.
3- الربيع بنت معوذ :
هي الربيع بنت معوذبن عفراء الأنصارية ، من بني النجار ، . . . وقد زارها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) صبيحة عرسها ؛ صلة لرحمها ، عمرت دهرًا وروت أحاديث ، حدث عنها أبو سلمة بن عبد الرحمن ، وسليمان بن يسار ، وعبادة ابن الوليد بن عبادة ، وعمرو بن شعيب ، وخالد بن ذكوان ، وعبد الله بن محمد بن عقيل ، وآخرون .
وأبوها من كبار البدريين ، قتل أبا جهل ، توفيت في خلافة عبد الملك سنة بضع وسبعين رضي الله عنها (4) .
بايعت النبي وهي من الصحابيات الجليلات وجاهدت مع المجاهدين ، وخطبها إياس بن البكير الليثي ، ثم خرج هو وأخواه ، وبعد بدر تزوجت الربيع من إياس فجاء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فدخل عليها غداة بنى بها . فجملت جويرات لها يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائها يوم بدر ، شهدت الربيع أحداً مع أم عمارة وعائشة رضي الله عنهن .
4- أم سنان الأسلمية :
صحابية جليلة ، روت عن النبيّ ( صلى الله عليه وسلم ) ، وروى عنها ابن عباس ، وروت عنها ابنتها ثُبيتة بنت حنظلة الأسلميَّة .
كانت من الصحابيات المجاهدات ، حيث تتصف بالشجاعة والهمة العالية . أتت رسولَ الله ( صلى الله عليه وسلم ) عندما أراد التوجّه إلى خيبر ، وقالت له : يا رسول الله ، اُحبُّ أن أخرج معك ، أخرز السقاء ، واُداوي الجرحى ، وأنصر المجاهدين ، واحفظ لهم أمتعتهم ، وأسقي عطشاهم ، فقال النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لها : « تعالي معنا وكوني مع اُم سلمة » ، حيث كانت أكثر أوقاتها معه ( صلى الله عليه وسلم ) (5) .
5- ليلى الغفارية :
وهي صحابية جليلة من فضيلات الصحابيات ، كانت تغزو مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) (6) ، قالت : كنت أغزو مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأداوي الجرحى وأقوم على المرضى فلما خرج علي إلى البصرة خرجت معه (7) . وتوفيت سنة 40 هـ رضي الله عنها .
6- كعيبة بنت سعيد الأسلمية :
من كريمات النساء ، وفضيلات الصاحبيات المجاهدات ، شهدت خيبر مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأسهم لها سهم رجل فيما رواه الواقدي (8) .
7- رفيدة الأنصارية :
قال عنها ابن حجر : « رفيدة الأنصارية ، أو الأسلمية ، ذكرها ابن إسحاق في قصة سعد بن معاذ لما أصابه بالخندق ، فقال : رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " اجعلوه في خيمة رفيدة التي في المسجد حتى أعوده من قريب " ، وكانت امرأة تداوي الجرحى وتحتسب بنفسها على رحمة من كانت به ضيعة من المسلمين(9) .
وظلت المرأة منذ العهد الأول تشارك في الحروب ، وتقوم بدورها في حماية الأمة الإسلامية والدفاع عن الحق والأوطان ، وقد تطورت تطلعات المرأة إلى أن وصل إلى قيادة الجيش المسلم الذي يقاتل في سبيل الله ، ونذكر من ذلك هذه المرأة التي قادت جيشًا مسلمًا .
قائدة الجيش تركان خاتون :
هي تركان خاتون بنت طغراج الملكة الجلالية صاحبة أصبهان ، زوجة السلطان ملكشاه ، وهي سيدة جليلة من ربات العقل والرأي والدين والصلاح والنفوذ والسلطان ، من نسل أفراسياب ملك الفرس ، شاركت زوجها في الملك ، وبعد وفاته دبرت الأمور فاتخذت المستشارين والوزراء ، وقادت الجيوش ، وحفظت أموال التجار ، وأثرت تأثيرًا عظيمًا في بلاد فارس ، فأصحلت كثيرًا من عادات البلاد وأخلاق أهلها ، فبذلت لهم العطايا والإقطاعات ، فأحبتها الأمراء والرعية ، وصاهرت الخليفة العباسي المقتدي بأمر الله حيث تزوج بابنتها ، وماتت رحمها الله سنة 487 هـ (10) .
ما ذكر قليل من كثير من إسهامات المرأة في الحروب والجيوش المسلمة ، ولكنه يعد سابقة حضارية على الاعتراف بدور المرأة في كل نواحي الحياة ، بل يعد أمرًا فريدًا لم يحققه الغرب بعدُ الذي يتغنى بالحريات والديمقراطية .
------------------------------
(1) سير أعلام النبلاء ( ج2 ص 304 ) .
(2) الاستيعاب ( ج4 ص 1940 ) طبقات ابن سعد ( ج8 ص 425 ) أعلام النساء ( ج2 ص256 ) .
(3) سير أعلام النبلاء ( ج2 ص 316 ، 317 ) .
(4) سير أعلام النبلاء ( ج3 ص 198 ) .
(5) أسد الغابة ( 5 : 592 ) الإصابة ( 4 : 462 ) .
(6) الثقات لابن حبان ( ج3 ص 61 ) .
(7) الإصابة ابن حجر ( ج8 ص 106 ) .
(8) الاستيعاب لابن عبد البر ( ج4 ص 1907 ) .
(9) الإصابة لابن حجر ( ج7 ص 646 ) .
(10) أعلام النساء ( ج1 ص 169 ) .
نساء مفتيات وعالمات
نبغ في مختلف مراحل التاريخ الإسلامي الآلاف من العالمات المبرزات والمتفوقات في أنواع العلوم وفروع المعرفة وحقول الثقافة العربية الإسلامية ، وقد ترجم الحافظ ابن حجر في كتابه «الإصابة في تمييز الصحابة» ، لثلاث وأربعين وخمسمائة وألف امرأة ، منهن الفقيهات والمحدثات والأديبات . وذكر كل من الإمام النووي في كتابه « تهذيب الأسماء واللغات » ، والخطيب البغدادي في كتابه « تاريخ بغداد » ، والسخاوي في كتابه « الضوء اللامع لأهل القرن التاسع » ، وعمر رضا كحالة في « معجم أعلام النساء » ، وغيرهم ممن صنف كتب الطبقات والتراجم ، تراجم مستفيضة لنساء عالمات في الحديث والفقه والتفسير وأديبات وشاعرات .
ولقد تفوقت المرأة المسلمة على الرجل في جوانب في كثيرة في علوم الحضارة الإسلامية ، وخاصة في جانب علم الحديث ومعرفة رواته ، ويسجل تلك الشهادة أئمة علم الحديث والمصطلح ، فيقول الإمام الذهبي : « وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها » (1) . ويؤكد هذا الحكم على تزكية النساء في علم الحديث الحافظ ابن حجر رحمه الله حيث يقول : « لا اعلم في النساء من اتهمت ولا تركت » (2) .
وكان حرص النساء على طلب العلم الشرعي والاهتمام به منذ عهد النبي ( صلي الله عليه وسلم ) ، فقد روى أبو سعيد الخدري ، وأبو هريرة رضي الله عنهما أن النساء قلن لرسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) : « اجعل لنا يومًا كما جعلته للرجال قال : فجاء إلى النساء فوعظهن وعلمهن » (3).
وقد كان عطاء بن رباح رحمه الله يقول عن السيدة عائشة رضي الله عنها : « كانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس ، وأحسن الناس رأياً » (4).
وكذلك كل أمهات المؤمنين - رضوان الله عليهم - جميعًا ، وأغلب نساء الصحابة أيضًا ، فتلك الأعداد الهائلة من النساء اللواتي ساهمن في الحركة العلمية في الحضارة الإسلامية ليس بوسعنا أن نستوعبها جميعها في ذلك الكتاب ، ويمكن للمستزيد الرجوع إلى تلك الكتب ، وإنما سوف نذكر نماذج قليلة وتراجم يسيرة عليها ، من النساء العالمات من بعد عهد الصحابة رضوان الله عنهم .
1- نفيسة العلم :
قال الذهبي عنها : السيدة المكرمة ، الصالحة ، ابنة أمير المؤمنين الحسن بن زيد بن السيد ، سبط النبي ( صلي الله عليه وسلم ) الحسن بن علي رضي الله عنهما ، العلوية الحسنية ، صاحبة المشهد الكبير المعمول بين مصر والقاهرة . ولي أبوها المدينة للمنصور ، ثم عزله وسجنه مدة ، فلما ولي المهدي أطلقه وأكرمه ورد عليه أمواله ، وحج معه . . .
وتحولت هي من المدينة إلى مصر مع زوجها الشريف إسحاق بن جعفر بن محمد الصادق فيما قيل ، توفيت بمصر في شهر رمضان سنة ثمان ومائتين ، ولم يبلغنا كبير شيء من أخبارها . . . وقيل كانت من الصالحات العوابد ، والدعاء مستجاب عند قبرها (5) .
وقد ولدت يوم الأربعاء 11 ربيع الأول سنة 145هـ بمكة المكرمة وبقيت بها حتى بلغت خمسة أعوام ، درجت فيها محاطة بالعزة والكرامة ، حتى صحبها أبوها مع أمها زينب بنت الحسن إلى المدينة المنورة ؛ فكانت تذهب إلى المسجد النبوي وتسمع إلى شيوخه ، وتتلقى الحديث والفقه من علمائه ، حتى حصلت على لقب « نفيسة العلم » قبل أن تصل لسن الزواج ، ولما وصلته رغب فيها شباب آل البيت ، فكان أبوها يردهم ردًا جميلاً إلى أن أتاها " إسحاق المؤتمن" ابن جعفر الصادق رضي الله عنه ، وتزوجا في بيت أبيه ، وبزواجهما اجتمع نور الحسن والحسين ، وأصبحت السيدة نفيسة كريمة الدارين ، وأنجبت لإسحاق ولدًا وبنتًا هما القاسم وأم كلثوم .
كانت تمضي أكثر وقتها في حرم جدها المصطفى ( صلي الله عليه وسلم ) ، وكانت زاهدة دون مبالغة ، فلم تكن تقاطع الحياة ، وإنما كان هجرها للدنيا واقعًا على كل ما يعوق عن العبادة والتزوُّد ، وكانت الآخرة نصب عينيها ، حتى أنها حفرت قبرها الذي دُفنت فيه بيديها ، وكانت تحفظ القرآن وتفسره ويؤمها الناس ليسمعوا تفسيرها ، وكانت تدعو الله قائلة : « إلهي يسر لي زيارة قبر خليلك إبراهيم » فاستجاب الله لها ، وزارت هي وزوجها « إسحاق المؤتمن » قبر الخليل .
ثم رحلا إلى مصر في رمضان عام 193 هجرية في عهد هارون الرشيد ، وفي العريش -بأقصى شمال مصر الشرقي- استقبلها أهل مصر بالتكبير والتهليل وخرجت الهوادج والخيول تحوطها وزوجها ، حتى نزلا بدار كبير التجار وقتها « جمال الدين عبد الله الجصاص » .
وصلت السيدة نفيسة إلى القاهرة يوم السبت 26 رمضان 193 هجرية قبل أن يقدم إليها الإمام الشافعي بخمس سنوات ، ونزلت بدار سيدة من المصريين تُدعى " أم هانئ " وكانت دارًا رحيبة ، فأخذ يقبل عليها الناس يلتمسون منها العلم ، حتى ازدحم وقتها ، وكادت تنشغل عما اعتادت عليه من العبادات ، فخرجت على الناس قائلة : « إني كنت قد اعتزمت المقام عندكم ، غير أني امرأة ضعيفة ، وقد تكاثر حولي الناس فشغلوني عن أورادي ، وجمع زاد معادي ، وقد زاد حنيني إلى روضة جدي المصطفى » ففزع الناس لقولها ، وأبوا عليها رحيلها ، حتى تدخَّل الوالي « السري بن الحكم » وقال لها : « يا ابنة رسول الله إني كفيل بإزالة ما تشكين منه » ووهبها دارًا واسعة ، ثم حدد موعدًا -يومين أسبوعيًّا- يزورها الناس فيهما طلبًا للعلم والنصيحة ، لتتفرغ هي للعبادة بقية الأسبوع ، فرضيت وبقيت .
وكان الأمراء يعرفون قدرها وقدرتها على توجيه عامة الناس ، بل دفعهم للثورة في الحق إن احتاج الأمر ، حتى أن أحد الأمراء قبض أعوانه على رجل من العامة ليعذبوه فبينما هو سائر معهم ، مرَّ بدار السيدة نفيسة فصاح مستجيرًا بها ، فدعت له بالخلاص قائلة : «حجب الله عنك أبصار الظالمين » ولما وصل الأعوان بالرجل بين يدي الأمير ، قالوا له : إنه مرَّ بالسيدة نفيسة ، فاستجار بها وسألها الدعاء فدعت ، له بخلاصه ، فقال الأمير: « أو بلغ من ظلمي هذا يا رب ، إني تائب إليك واستغفرك ؛ وصرف الأمير الرجل ، ثم جمع ماله وتصدق ببعضه على الفقراء والمساكين » .
ويذكر القرماني في تاريخه ويؤيده في روايته صاحب الغرر وصاحب المستطرف -وهما من رواة التاريخ الثقات - أن السيدة نفيسة -رضي الله عنها- قادت ثورة الناس على ابن طولون لمّا استغاثوا بها من ظلمه ، وكتبت ورقة فلما علمت بمرور موكبه خرجت إليه ، فلما رآها نزل عن فرسه ، فأعطته الرقعة التي كتبتها وفيها : « ملكتم فأسرتم ، وقدرتم فقهرتم ، وخولتم ففسقتم ، وردت إليكم الأرزاق فقطعتم ، هذا وقد علمتم أن سهام الأسحار نفاذة غير مخطئة لا سيّما من قلوب أوجعتموها ، وأكباد جوعتموها ، وأجساد عريتموها ، فمحال أن يموت المظلوم ويبقى الظالم ، اعملوا ما شئتم فإنَّا إلى الله متظلمون ، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون » !
يقول القرماني : فعدل من بعدها ابن طولون لوقته ! . ولمَّا وفد الإمام الشافعي -رضي الله عنه- إلى مصر ، وتوثقت صلته بالسيدة نفيسة ، واعتاد أن يزورها وهو في طريقه إلى حلقات درسه في مسجد الفسطاط ، وفي طريق عودته إلى داره ، وكان يصلي بها التراويح في مسجدها في شهر رمضان ، وكلما ذهب إليها سألها الدعاء ، حتى إذا مرض كان يرسل إليها من يُقرئها السلام ويقول لها : " إن ابن عمك الشافعي مريض ويسألك الدعاء " . وأوصى الشافعي أن تصلي عليه السيدة نفيسة في جنازته ، فمرت الجنازة بدارها ، حين وفاته عام 204 هجرية وصلًَّت عليها إنفاذًا لوصيته .
كانت كثيرة البكاء ، تديم قيام الليل وصيام النهار ، ولا تأكل إلاّ في كل ثلاث ليال أكلة واحدة ، ولا تأكل من غير زوجها شيئاً . حجَّت ثلاثين حجَّة ، وكانت تبكي بكاءً شديداً وتتعلَّق بأستار الكعبة وتقول : إلهي وسيدي ومولاي متعني وفرحني برضاك عني .
وقالت زينب بنت يحيى المتوج : خدمتُ عمتي نفيسة أربعين سنة ، فما رأيتها نامت الليل ولا أفطرت بنهار ، فقلت لها : أما ترفقين بنفسك ؟ فقالت : كيف أرفق بنفسي وقدّامي عقبات لا يقطعها الفائزون .
ومرضت نفيسة بعد أن قامت بمصر سبع سنين ، فكتبت إلى زوجها إسحاق المؤتمن كتاباً ، وحفرت قبرها بيدها في بيتها ، فكانت تنزل فيه وتصلَّي كثيرًا ، فقرأت فيه مائة وتسعين ختمة ، وما برحت تنزل فيه وتصلِّي كثيرًا وتقرأ وكثيرًا وتبكي بكاءً عظيمَا ، حتى احتضرت سنة 208هـ وهي صائمة فألزموها بالإفطار وألحوا وأبرموا ، فقالت : واعجبًا منذ ثلاثين سنة أسأل الله تعالى ألقه وأنا صائمة أأفطر الآن هذا لا يكون ، ثم قرأت سورة الأنعام وكان الليل قد هدأ ، فلمَّا وصلت إلى قوله تعالى : ( لَهُم دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبّهِم وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُواْ يَعمَلُونُ ) [ الأنعام : 127 ] غشي عليها ثم شهدت شهادة الحق وقُبضت إلى رحمة الله .
2- كريمة راوية البخاري :
الشيخة ، العالمة ، الفاضلة ، المسندة ، أم الكرام كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم المروزية ، المجاورة بحرم الله .
سمعت من أبي الهيثم الكشميهني صحيح البخاري ، وسمعتْ من زاهر بن أحمد السرخسي ، وعبد الله بن يوسف بن بامويه الأصبهاني . وكانت إذا روت قابلت بأصلها ، ولها فهم ومعرفة مع الخير والتعبد .
روت "الصحيح" مرات كثيرة ; مرة بقراءة أبي بكر الخطيب في أيام الموسم ، وماتت بكرًا لم تتزوج أبدًا . حدث عنها : الخطيب ، وأبو الغنائم النرسي ، وأبو طالب الحسين بن محمد الزينبي ، ومحمد بن بركات السعيدي ، وعلي بن الحسين الفراء ، وعبد الله بن محمد بن صدقة بن الغزال ، وأبو القاسم علي بن إبراهيم النسيب ، وأبو المظفر منصور بن السمعاني ، وآخرون .
قال أبو الغنائم النرسي : أخرجت كريمة إلي النسخة "بالصحيح" ، فقعدت بحذائها ، وكتبت سبع أوراق ، وقرأتها ، وكنت أريد أن أعارض وحدي ، فقالت : لا حتى تعارض معي . فعارضت معها .
قال : وقرأت عليها من حديث زاهر .
وقال أبو بكر بن منصور السمعاني : سمعت الوالد يذكر كريمة ، ويقول : وهل رأى إنسان مثل كريمة .
قال أبو بكر : وسمعت بنت أخي كريمة تقول : لم تتزوج كريمة قط ، وكان أبوها من كشميهن ، وأمها من أولاد السياري ، وخرج بها أبوها إلى بيت المقدس ، وعاد بها إلى مكة ، وكانت قد بلغت المائة .
قال ابن نقطة : نقلت وفاتها من خط ابن ناصر سنة خمس وستين وأربع مائة .
قلت : الصحيح موتها في سنة ثلاث وستين .
قال هبة الله بن الأكفاني سنة ثلاث ، حدثني عبد العزيز بن علي الصوفي قال : سمعت بمكة من مخبر بأن كريمة توفيت في شهور هذه السنة .
وقال أبو جعفر محمد بن علي الهمداني : حججت سنة ثلاث وستين فنعيت إلينا كريمة في الطريق ، ولم أدركها (6) .
3- أمة الواحد :
هي ستيتة بنت الحسين بن إسماعيل المحاملي ، العالمة الفقهية المفتية ، تفقهت بأبيها وروت عنه ، وحفظت القرآن والفقه للشافعي ، وأتقنت الفرائض ومسائل العربية وغير ذلك ، وكانت تفتي مع أبي علي بن أبي هريرة ، وهي والدة القاضي محمد بن أحمد بن القاسم المحاملي ، توفيت في رضمان سنة 377 هـ (7) .
4- شهدة الأبري :
بنت المحدِّث أبي نصر أحمد بن الفرج الدينوري ، ثم البغدادي الإبري الجهة ، المعمرة ، الكاتبة ، مسندة العراق ، فخر النساء . ولدت بعد الثمانين وأربع مائة .
وسمعت من : أبي الفوارس طراد الزينبي ، وابن طلحة النعالي ، وأبي الحسن بن أيوب ، وأبي الخطاب بن البطر ، وعبد الواحد بن علوان ، وأحمد بن عبد القادر اليوسفي ، وثابت بن بندار ، ومنصور بن حيد ، وجعفر السراج ، وعدة . ولها مشيخة سمعناها .
حدث عنها : ابن عساكر، والسمعاني، وابن الجوزي ، وعبد الغني ، وعبد القادر الرهاوي ، وابن الأخضر ، والشيخ المفق ، والشيخ العماد ، والشهاب بن راجح ، والبهاء عبد الرحمن ، والناصح ، والفخر الإربلي ، وتاج الدين عبد الله بن حمويه ، وأعز بن العليق ، وإبراهيم بن الخير ، وبهاء الدين بن الجميزي ، ومحمد بن المني ، وأبو القاسم بن قميرة ، وخلق كثير .
قال ابن الجوزي : قرأت عليها ، وكان لها خط حسن ، وتزوجت ببعض وكلاء الخليفة ، وخالطت الدور والعلماء ، ولها بر وخير ، وعمرت حتى قاربت المائة ، توفيت في رابع عشر المحرم سنة أربع وسبعين وخمس مائة وحضرها خلق كثير وعامة العلماء .
وقال الشيخ الموفق : انتهى إليها إسناد بغداد ، وعمرت حتى ألحقت الصغار بالكبار ، وكانت تكتب خطًّا جدًا ، لكنه تغير لكبرها.
ومات معها أحمد بن علي بن الناعم الوكيل ، وأسعد بن بلدرك بن أبي اللقاء البواب ، والأمير شهاب الدين سعد بن محمد بن سعد بن صيفي الشاعر الحَيْص بَيْص ، وأبو صالح سعد الله بن نجا بن الوادي الدلال ، وأبو رشيد عبد الله بن عمر الأصبهاني ، وأبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن يوسف ، وعمر بن محمد العليمي ، وأبو عبد الله بن المجاهد الإشبيلي الزاهد ، ومحمد بن نسيم العيشوني .
5- زين العرب بنت عبد الرحمن :
هي زين العرب بنت عبد الرحمن بن عمر بن الحسين المعروفة ببنت الخزيراني ، محدثة ، تولت مشيخة رباط بنت السقلاطوني ، جاورت مكة وتقلدت مشيخة رباط الحرمين في أواخر أيامها ، توفيت في أوائل سنة 704 هـ ولها بضع وسبعون سنة (8) .
6- دهماء بنت يحيى :
هي دهماء بنت يحيى بن المرتضى الشريفة ، العاملة الفاضلة ، أخذت العلم عن أخيها الإمام المهدي ، وبرعت في النحو والأصول والمنطق والنجوم والرمل والسيمياء والشعر ، فألفت شرحا للأزهار في أربع مجلدات ، وشرحًا لمنظومة الكوفي في الفقه والفرائض ، وشرحًا لمختصر المنتهى ، وأخذ عنها الطلبة بمدينة تلا ، وتوفيت بمدينة تلا في ذي القعدة 837 هـ (9) .
7- فاطمة بنت أحمد :
هي فاطمة بنت أحمد بن يحيى ، عالمة فاضلة متفقهة ، كانت تستنبط الأحكام الشرعية وتتباحث مع والدها في مسائل فقهية مشهورة بالعلم ، ولها مع والدها مراجعات في مسائل كمسألة الخضاب بالعصفر ، فإنه قال : إن فاطمة ترجع إلى نفسها في استنباط الأحكام وهذه المقالة تدل على أنها كانت مبرزة في العلم ، فإن الإمام لا يقول مثل هذه المقالة إلا لمن هو حقيق بها ، وكان زوجها الإمام المطهر يرجع إليها فيما يشكل عليه من مسائل وإذا ضايقه التلامذة في بحث دخل إليها فتفيده الصواب ، فيخرج بذلك إليهم فيقولون : ليس هذا منك ، هو من خلف الحجاب ، وماتت قبل والدها رحمهما الله سنة 840 هـ (10) .
8- أسماء المهروانيّة :
أسماء بنت عبد الله بن محمد المهروانيّة ، محدّثة ، كاتبة ، ذات دين وصلاح . سمعت على الكمال محمد بن محمد بن نصر بن النحَّاس ، والشهاب أحمد بن عبد الغالب بن محمد الماكسيني رواية الآباء عن الأبناء للخطيب .
أجازها ستة وعشرون شيخًا ؛ منهم : رسلان الذهني ، وأبوبكر بن محمد المزي ، وخرج لها الشهاب بن الليودي في مشيخته ، وقرأ عليها السخاوي .
ماتت بدمشق في صفر سنة 867هـ ، ودفنت بمقبرة باب توما بالقرب من تربة الشيخ رسلان (11) .
9- زاهدة الطاهري :
زاهدة بنت محمد بن عبد الله الطاهري . محدثة ، أجازها ابن الجميزي ، والشاوي ، وغيرهما . وسمعت من إبراهيم بن خليل ، وحدثت، وخرج لها المقاتلي مشيخته ، وقرأ عليها الواني . توفيت في القرن الثامن للهجرة (12) .
10- زينب الجرجانية :
زينب بنت عبد الرحمن بن الحسن الجرجاني ، تعرف بابنة الشعرى ، وتدعى حرة . عالمة ، فاضلة ، محدثة ، جليلة .
ولدت بنيسابور سنة 524 هـ ، فأدركت جماعة من أعيان العلماء ، فأخذت عنهم الرواية والإجازة .
سمعت من أبي محمد اسماعيل بن أبي القاسم بن أبي بكر النيسابوري القارئ وأبي القاسم زاهر ، وأبي المظفر عبد المنعم بن عبد الكريم بن هوازان القشيري ، وأبي الفتوح عبد الوهاب بن شاه الشاذياضي ، وأبي البركات محمد بن الفضل الفزاري ، وغيرهم .
أجازها الحافظ أبو الحسن عبد الغافر بن اسماعيل بن عبد الغافر الفارسي ، والعلاَّمة الخُرقي ، وغيره من الحفَّاظ والعلماء .
أخبر عنها علي المقدسي ، وسمع عنها الحسن بن محمد بن محمد البكري جزءًا فيه أحاديث أبي عمر واسماعيل بن محمد بن أحمد السلمي ، وعثمان بن عبد الرحمن بن الصلاح .
وسمع عنها جميع الجزء الثالث من كتاب الزهد لوكيع بن الجراح ، وكتاب الأربعين بروايتها عن فاطمة بنت البغدادي سماعًا ، وعن الصاعدين إجازةً ، والجزء العاشر من فوائد الحاكم محمد بن محمد بن أحمد النيسابوري بروايتها ، وسماعها من أبي القاسم زاهر بن طاهر بن محمد الشحامي . وقُرئ عليها جميع الجزء الاول والثاني من حديث علي بن حرب بالإجازة . توفيت بنيسابور في جمادى الآخر سنة 615هـ (13) .
----------------------
(1) ميزان الاعتدال في نقد الرجال للإمام الذهبي ( ج7 ص 465 ) .
(2) لسان الميزان للحافظ ابن حجر العسقلاني ( ج7 ص 522 ) .
(3) أخرجه البخاري في صحيحه ( ج1 ص 421 ) .
(4) أخرجه الحاكم في المستدرك ( ج4 ص 15 ) والذهبي في سير أعلام النبلاء ( ج2 ص 185 ) .
(5) سير أعلام النبلاء للذهبي ( ج10 ص 106 ، 107 ) .
(6) سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي (ج18 ص 233 ) .
(7) تاريخ بغداد ( ج14 ص 442 ) سير أعلام النبلاء ( ج15 ص 264 ) .
(8) الدرر الكامنة ( ج2 ص 247 ) أعلام النساء ( ج2 ص 44 ) .
(9) البدر الطالع للشوكاني ( ج1 ص 248 ) أعلام النساء ( ج1 ص 420 ) .
(10) البدر الطالع ( ج2 ص 24 ) أعلام النساء ( ج4 ص 31 ) .
(11) الضوء اللامع ( 606 ) أعلام النساء ( ج1 ص 56 ) .
(12) الدرر الكامنة لابن حجر ( 2 : 112 ) .
(13) أعلام النساء ( 2 : 75 ) .
نساء تولين الحسبة (السلطة التنفيذية)
وردت آثار في تولي المرأة السلطة التنفيذية ، أو الشرطة ، أو ما تسمى في التراث الفقهي الإسلامي «الحسبة» ، وكان ذلك في القرن الأول ، وعلى خلفية هذه الآثار أجاز بعض علماء المسلمين تولي المرأة هذا المنصب القيادي الحساس في الدولة الإسلامية .
كما ذكر ابن حزم ذلك أيضًا مستشهدًا بخبر الشفاء ، فقال : « مسألة وجائز أن تلي المرأة الحكم وهو قول أبي حنيفة وقد روي عمر بن الخطاب أنه وليَّ الشفاء امرأة من قومه السوق ، فإن قيل قد قال رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) : «لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة » قلنا : إنما قال ذلك رسول الله( صلي الله عليه وسلم ) في الأمر العام الذي هو الخلافة . برهان ذلك قوله ( صلي الله عليه وسلم ) « المرأة راعية على مال زوجها وهي مسئولة عن رعيتها »، وقد أجاز المالكيون أن تكون وصية ووكيلة ولم يأتِ نص من منعها أن تلي بعض الأمور ، وبالله تعالى التوفيق » (1)
روى أبو بلج يحيى بن أبي سليم قال : « رأيت سمراء بنت نهيك وكانت قد أدركت النبي ( صلي الله عليه وسلم ) عليها درع غليظ وخمار غليظ بيدها سوط تؤدب الناس وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر » (2) .