اعتزلْ ذِكرَ الأغاني والغَزَلْ | | وقُلِ الفَصْلَ وجانبْ مَنْ هَزَلْ |
ودَعِ الذِّكرَ لأيامِ الصِّبا | | فلأيامِ الصِّبا نَجمٌ أفَلْ |
إنْ أهنا عيشةٍ قضيتُها | | ذهبتْ لذَّاتُها والإثْمُ حَلّ |
واترُكِ الغادَةَ لاتحفلْ بها | | تُمْسِ في عِزٍّ رفيعٍ وتُجَلّ |
وافتكرْ في منتهى حُسنِ الذي | | أنتَ تهواهُ تجدْ أمراً جَلَلْ |
واهجُرِ الخمرةَ إنْكنتَ فتىً | | كيفَ يسعى في جُنونٍ مَنْ عَقَلْ |
واتَّقِ اللهَ فتقوى الله ما | | جاورتْ قلبَ امريءٍ إلا وَصَلْ |
ليسَ منْ يقطعُ طُرقاً بَطلاً | | إنما منْ يتَّقي الله البَطَلْ |
صدِّقِ الشَّرعَ ولا تركنْ إلى | | رجلٍ يرصد في الليل زُحلْ |
حارتِ الأفكارُ في حكمةِ مَنْ | | قد هدانا سبْلنا عزَّ وجَلْ |
كُتبَ الموت على الخَلقِ فكمْ | | فَلَّ من جيشٍ وأفنى من دُوَلْ |
أينَ نُمرودُ وكنعانُ ومنْ | | مَلَكَ الأرضَ وولَّى وعَزَلْ |
أين عادٌ أين فرعونُ ومن | | رفعَ الأهرامَ من يسمعْ يَخَلْ |
أينَ من سادوا وشادوا وبَنَوا | | هَلَكَ الكلُّ ولم تُغنِ القُلَلْ |
أينَ أربابُ الحِجَى أهلُ النُّهى | | أينَ أهلُ العلمِ والقومُ الأوَلْ |
سيُعيدُ الله كلاً منهمُ | | وسيَجزي فاعلاً ما قد فَعَلْ |
إيْ بُنيَّ اسمعْ وصايا جَمعتْ | | حِكماً خُصَّتْ بها خيرُ المِللْ |
أطلبُ العِلمَ ولا تكسَلْ فما | | أبعدَ الخيرَ على أهلِ الكَسَلْ |
واحتفلْ للفقهِ في الدِّين ولا | | تشتغلْ عنهُ بمالٍ وخَوَلْ |
واهجرِ النَّومَ وحصِّلهُ فمنْ | | يعرفِ المطلوبَ يحقرْ ما بَذَلْ |
لا تقلْ قد ذهبتْ أربابُهُ | | كلُّ من سارَ على الدَّربِ وصلْ |
في ازديادِ العلمِ إرغامُ العِدى | | وجمالُ العلمِ إصلاحُ العملْ |
جَمِّلِ المَنطِقَ بالنَّحو فمنْ | | يُحرَمِ الإعرابَ بالنُّطقِ اختبلْ |
انظُمِ الشِّعرَ ولازمْ مذهبي | | في اطَّراحِ الرَّفد لا تبغِ النَّحَلْ |
فهوَ عنوانٌ على الفضلِ وما | | أحسنَ الشعرَ إذا لم يُبتذلْ |
ماتَ أهلُ الفضلِ لم يبقَ سوى | | مقرف أو من على الأصلِ اتَّكلْ |
أنا لا أختارُ تقبيلَ يدٍ | | قَطْعُها أجملُ منتلكَ القُبلْ |
إن جَزتني عن مديحي صرتُ في | | رقِّها أو لا فيكفيني الخَجَلْ |
أعذبُ الألفاظِ قَولي لكَ خُذْ | | وأمَرُّ اللفظِ نُطقي بِلَعَلّْ |
مُلكُ كسرى عنهُ تُغني كِسرةٌ | | وعنِ البحرِ اجتزاءٌ بالوَشلْ |
اعتبر (نحن قسمنا بينهم) | | تلقهُ حقاً (وبالحق نزلْ) |
ليس ما يحوي الفتى من عزمه | | لا ولا ما فاتَ يوماً بالكسلْ |
اطرحِ الدنيا فمنْ عاداتها | | تخفِضُ العاليْ وتُعلي مَنْ سَفَلْ |
عيشةُ الرَّاغبِ في تحصيلِها | | عيشةُ الجاهلِ فيها أو أقلْ |
كَمْ جَهولٍ باتَ فيها مُكثراً | | وعليمٍ باتَ منها في عِلَلْ |
كمْ شجاعٍ لم ينلْ فيها المُنى | | وجبانٍ نالَ غاياتِ الأملْ |
فاتركِ الحيلةَ فيها واتَّكِلْ | | إنما الحيلةُ في تركِ الحِيَلْ |
أيُّ كفٍّ لمْ تنلْ منها المُنى | | فرماها اللهُ منهُ بالشَّلَلْ |
لا تقلْ أصلي وفَصلي أبداً | | إنما أصلُ الفَتى ما قد حَصَلْ |
قدْ يسودُ المرءُ من دونِ أبٍ | | وبِحسنِ السَّبْكِ قدْ يُنقَى الدَّغّلْ |
إنما الوردُ منَ الشَّوكِ وما | | يَنبُتُ النَّرجسُ إلا من بَصَلْ |
غيرَ أني أحمدُ اللهَ على | | نسبي إذ بأبي بكرِ اتَّصلْ |
قيمةُ الإنسانِ ما يُحسنُهُ | | أكثرَ الإنسانُ منهُ أمْ أقَلْ |
أُكتمِ الأمرينِ فقراً وغنى | | واكسَب الفَلْسَ وحاسب ومن بَطَلْ |
وادَّرع جداً وكدا ًواجتنبْ | | صُحبةَ الحمقى وأرباب الخَلَلْ |
بينَ تبذيرٍ وبُخلٍ رُتبةٌ | | وكِلا هذينِ إنْزادَ قَتَلْ |
لا تخُضْ في حق سادات | | مَضَوا إنهم ليسوا بأهلِ للزَّلَلْ |
وتغاضى عن أمورٍ إنه | | لم يفُزْ بالحمدِ إلا من غَفَلْ |
ليسَ يخلو المرءُ مِنْ ضدٍّ | | ولَو حاولَ العُزلةَ في راسِ الجبَلْ |
مِلْ عن النَمَّامِ وازجُرُهُ فما | | بلّغَ المكروهَ إلا من نَقَلْ |
دارِ جارَ السُّوءِ بالصَّبرِ وإنْ | | لمْ تجدْ صبراً فما أحلى النُّقَلْ |
جانِبِ السُّلطانَ واحذرْ بطشَهُ | | لا تُعانِدْ مَنْ إذا قالَ فَعَلْ |
لا تَلِ الأحكامَ إنْ هُمْ سألوا | | رغبةً فيكَ وخالفْ مَنْ عَذَلْ |
إنَّ نصفَ الناسِ أعداءٌ لمنْ | | وليَ الأحكامَ هذا إن عَدَلْ |
فهو كالمحبوسِ عن لذَّاتهِ | | وكِلا كفّيه في الحشر تُغَلْ |
إنَّ للنقصِ والاستثقالِ في | | لفظةِ القاضي لَوَعظاً أو مَثَلْ |
لا تُوازى لذةُ الحُكمِ بما | | ذاقَهُ الشخصُ إذا الشخصُ انعزلْ |
فالولاياتُ وإن طابتْ لمنْ | | ذاقَها فالسُّمُّ في ذاكَ العَسَلْ |
نَصَبُ المنصِبِ أوهى جَلَدي | | وعنائي من مُداراةِ السَّفلْ |
قَصِّرِ الآمالَ في الدنيا تفُزْ | | فدليلُ العقلِ تقصيرُ الأملْ |
إن منْ يطلبهُ الموتُ على | | غِرَّةٍ منه جديرٌ بالوَجَلْ |
غِبْ وزُرْ غِبَّاَ تزِدْ حُبَّاً فمنْ | | أكثرَ التَّردادَ أقصاهُ المَلَلْ |
لا يضرُّ الفضلَ إقلالٌ كما | | لا يضرُّ الشمسَ إطباقُ الطَّفَلْ |
خُذْ بنصلِ السَّيفِ واتركْ غِمدهُ | | واعتبرْ فضلَ الفتى دونَ الحُلُلْ |
حُبّكَ الأوطانَ عجزٌ ظاهرٌ | | فاغتربْ تلقَ عن الأهلِ بَدَلْ |
فبمُكثِ الماءِ يبقى آسناً | | وسَرى البدرِ بهِ البدرُ اكتملْ |
أيُّها العائبُ قولي عبثاً | | إن طيبَ الوردِ مؤذٍ للجُعلْ |
عَدِّ عن أسهُمِ قولي واستتِرْ | | لا يُصيبنَّكَ سهمٌ من ثُعَلْ |
لا يغرَّنَّكَ لينٌ من فتىً | | إنَّ للحيَّاتِ ليناً يُعتزلْ |
أنا مثلُ الماءِ سهلٌ سائغٌ | | ومتى أُسخِنَ آذى وقَتَلْ |
أنا كالخيزور صعبٌ كسُّرهُ | | وهو لدنٌ كيفَ ما شئتَ انفتَلْ |
غيرَ أنّي في زمانٍ مَنْ يكنْ | | فيه ذا مالٍ هو المولَى الأجلّ |
واجبٌ عند الورى إكرامُهُ | | وقليلُ المالِ في همْ يُستقلْ |
كلُّ أهلِ العصرِ غمرٌ وأنا | | منهمُ، فاترك تفاصيلَ الجُمَلْ |