إن فاجأك الملل يومًا و جلسَ على قلبك و لم يتحرك ، هذا يعني أنك على وشك اقتراف احدى الحماقات التي ستندم عليها لاحقًا ! كبعض الآثام التي نرتكبها في حق أنفسنا أولاً فيصعب أن نغفر لنا ما ارتكبنا فبأي وجه جريئ نطلب من الله االمغفرة ؟ على حماقات نحن أنفسنا لن نسامحنا عليها ..
جلست بتول تلون أظافرها بلون زهري ، في يوم رمضاني طويل ، كانت الشمس لا تحتمل تطفلت على البيوت فزادت الناس عطشًا و تعرقا ، و لم تسمح للصائم أن يستمتع بيومه كما يستمتع بهِ بعدَ الإفطار ، كل شيء يبدو مملا ! حتى الجدران و حتى الأسرة
وحتى التلفزيون الذي جنّد نفسه بعشرات المسلسلات ، و هي تتذمر بينها و بين نفسها ، قاطعها اتصال :
- صباح الخير حبيبتي بتول
- صباح النور يا عمري ! اشتقتكَ كثيرًا ، استيقظت مبكرا اليوم عكس عادتك
- لديّ أشغال .. و لكن بعدَ العصر سأكون متاحًا ما رأيك بأن تأتي إلى الفندق .. ؟
- نحن برمضان أنسيت ؟
- لما لا ؟ رمضان هو مجرد شهر عابر ككل الأشهر الأخرى ، أعجز عن استيعاب هذا التناقض فيكم ! تغيرون نمط حياتكم شهرًا ثم تعودون إلى ما أنتم عليه هذا نفاق في حق الله و في حق أنفسكم
- لا أظنني سآتي
- عليكِ أن تأتِ ، غدًا سأسافر إلى انجلترا ، و لن أراكِ إلا بالربيع القادم ، فكري بالأمر و إن وافقت تعالي باكرًا و اتصلي بي أولا .. إلى اللقاء
أنهى اتصاله دون اقتراحات أخرى أو حلول وسط ، أما هيَ فكل ما شغل تفكيرها أنها لن تراه إلا بعد بضعة أشهر ، ستندم كثيرًاإن فوتت موعدًا كهذا ، لن تكون نهاية العالم ، مجرد إثم آخر ، و سيغفر الله لي إنّ الله غفور رحيم ، قالت لنفسها دون أن تتذكر الشطر الثاني و " شديد العقاب "
ارتدت ملابسها ، تزينت ، تعطرت و كأن اليوم يوم عيد ، اتصلت به ، و استقلّت أول تاكسي إليه ، و فورما دقت باب غرفته ، فتح لها بعينيّ ذئب حان وقت طعامه و بلعاب أغزر من لعاب كلب ، انقض عليها و لازال صائمًا ! و استسلمت له و لازالت صائمة !
و بئس الصوم يصومان ، ذلك الفستان سيشهد ، و ذلك السرير ، و الجدران و الملاءات ، و الله فوق يشهد أيضا و ملائكة الرحمان ، و العرش الذي اهتز سيشهد ، استمرا بالعبث دون توقف إلى أن أذنّ مؤذن أنه قد حان وقت المغرب ، ارتدى ملابسه و خرج مستعجلاً ، و أحضر لها كيسا فيه قطع جبن و حبات زيتون أسود :
- لقد أحضرت لكِ إفطارك أمّا أنا سأنزل لأفطر مع أصدقائي
لحظتها أدركت بتول أن هذا الحبيب لم يشتق منها سوى جسدها من أجل سد حاجاته الشهوانية الحيوانية ، و مدى فداحة اثمها كيف ستغفر لنفسها ؟ كيف سيغفر الله لها ؟
خرجت تركض إلى بيتهم و لحظة الوصول نفذت دقات قلبها و سقطت أرضًا لم تتسنى لها حتى فرصة الإغتسال كي تصلي ركعتين و تعتذر من الله على هذا الإثم الفادح ، و فارقت الحياة و الغصات تسد حلقها ، أما العشيق عاد إلى غرفته ، تجشأ أربعة مرات ثم غطّ بنومٍ عميق .