رقم صفحة الكتاب الورقي: 40
ولكن منذ قليل خرج الرسل من مقري ساحبين
ابنة بريسيوس ، التي منحني إياها الآخيون •
وعليك الآن ، إن استطعت ، أن تحمي ابنك •
فلتذهبي إلى الأولمب ، ولتتضرعي إلى زيوس ، إن كان قد سبق لك
أن روّحت عن قلب زيوس بالقول أو بالفعل • 395
فكثيراً ما كنت أسمعك في مجالس أبي وأنت تدّعين
أنك أنت ، وأنت وحدك ، بين البشر الفانين ،
من جنّبتِ ابن كرونوس ، الملفع بالضباب القاتم ، الهزيمة المذلة
حين سعى لتقييده آلهة الأولمب الآخرون كلهم 36
هيرا وبوسيدون وبالاس أثينا • وأنت ، 400
أيتها الإلهة ، من ذهبت وخلصته من قيوده ،
ودعوت ، على عجل ، المخلوقَ ذا المئة ذراع إلى الأولمب الشاهق ،
ذلك المخلوق الذي تسميه الآلهة برياريوس ، ويسميه البشر
ابن إيغايوس ، ولكنه أشد بأساً من أبيه بكثير •
وهو ، مستمرئاً مجده ، يجلس بجانب كرونيون • 405
فخاف بقية الآلهة المباركين وتخلوا عن تقييده •
فاجلسي إلى جانبه ، وأمسكي بركبتيه وذكريه بهذه الأمور •
فلعله يرغب في مساعدة الطرواديين
ويثبت الآخيين في السفن والمياه ،
ليموتوا ويجنوا كلهم ثمرة فعلة ملكهم 37 • 410
ويدرك أغاممنون ، ذو السلطان الواسع ، ابن أتريوس
مقدار جنونه ، ويدرك أنه لم يقم بتكريم خير الآخيين " 38 •
فانهمرت دموع ثيتيس وهي تجيبه : " ويلاه •
--------------------------------------------------------------------------------
36 ليس في الأساطير اليونانية ما يشير سابقاً إلى تمرد من هذا النوع. والتقدير هو أن القصة من اختراع هوميروس نفسه. ولكن الآلهة المذكورين هم الذين يناصرون اليونانيين في حربهم ( في الإلياذة). ولهذا فهم سيعارضون طلب ثيتيس من زيوس أن يناصر الطرواديين. ولكن هوميروس باختراعه هذه القصة يقدم المبرر الذي يجعل زيوس مديناً لثيتيس.
37 إن غضب آخيل يجعله راغباً في أن ينصر الإلهُ الطرواديين على قومه، لكي يشمت بأغاممنون.
38 آخيل يقصد نفسه.
رقم صفحة الكتاب الورقي: 41
يا ولدي • لقد كانت ولادتك صعبة • لم ربيتك ؟
عدني أن تلتزم بالبقاء في سفنك دون انزعاج ودون نحيب • 415
حيث أن عمرك فعلاً قصير ، وليس طويلاً •
ولقد قُدِّر أن تكون حياتك وجيزة وقاسية
أكثر من بقية البشر • لقد حملتك في مقاصيري لأجل مصير شنيع •
لكنني سأذهب إلى الأولمب ذي الغيوم القاتمة ، وأطلب هذا الأمر
من زيوس ، الذي يستمتع بالرعد • فلعله يلبيني • 420
فهل تعد بأن تظل جالساً عند سفنك السريعة
وتحتفظ بغضبك ، وتبتعد عن القتال ؟
لقد ذهب زيوس أمس إلى الإيثيوبيين الطيبين في الأوقيانوس •
مدعواً إلى مأدبة • وذهب الآلهة الآخرون معه •
وبعد اثني عشر يوماً سيعود إلى الأولمب • 425
وعندها سأذهب من أجلك إلى بيت زيوس ، ذي الأرضية البرونزية
وسأمسك بركبتيه • وأظن أنني أستطيع أن أقنعه " •
وبعد أن أنهت كلامها غادرت المكان وتركته ،
وقلبه مترع بالحزن على الفتاة ذات النطاق الجميل
التي يأخذونها بالقوة ، وضد إرادته • ولكن أوليس 430
كان في ذلك الحين يقترب من خروسي ناقلاً الأضحية المقدسة •
وحين دخل مع رجاله المرفأ المتعدد التجاويف
أنزلوا الأشرعة ولفوها ووضعوها في السفينة السوداء •
وأنزلوا الصاري إلى القاع وتركوه على مسنده •
ثم جذفوا بالمجاذيف نحو المرسى • 435
--------------------------------------------------------------------------------
رقم صفحة الكتاب الورقي: 42
وألقوا بالياطر الحجري 39 وثبتوا المؤخرة بالحبال ،
ونزلوا إلى الشاطئ ،
وجروا الأضحية إلى الرامي أبولو •
ونزلت خروسيس نفسها من عابرة البحار •
وقادها أوليس ذو الحيل العديدة إلى المذبح ، 440
وأسلمها إلى ذراعي والدها ، وقال له :
" لقد أرسلني إلى هنا يا خروسيس أغاممنون ، سيد الرجال ،
لأعيد ابنتك ، وأقدم أضحية مقدسة
لأبولو باسم الدانانيين ، لعلنا نسترضي
الإله الذي كوّم التعاسة والدموع لدى الأرجيفيين " • 445
أنهى كلامه وتركها بين ذراعيه • وتلقى الرجل
ابنته الحبيبة بفرح • وهيأ الرجال الأضحية
للإله بالشكل اللائق حول المذبح المتين •
وبعدها غسلوا أيديهم ، ولموا الشعير المبعثر 40 •
ورفع خروسيس يديه ، وهو يقف بينهم ، وراح يصلي بصوت جهوري : 450
" اسمعني يا رب القوس الفضية ، يا من تنشر سلطانك
على خروسي وكيلا المقدسة ، ويا من أنت الرب في القوة
على تينيدوس • إن كنت قد أصغيت إلى صلواتي ذات مرة
وشرفتني وضربت جمع الآخيين ؛
لبّ رغبتي التي أتضرع بها إليك الآن مرة أخرى ، 455
وأبعد الطاعون المخزي عن الدانانيين " •
هكذا رفع عقيرته في صلاته ، وسمعه أبولو •
وبعد أن أنهى الجميع صلواتهم ونثروا الشعير ،
--------------------------------------------------------------------------------
39 كانت السفن ترسو في مواجهة البحر. وكانت المرساة (الياطر) عبارة عن أحجار كبيرة وثقيلة تلقى عند مقدمة السفينة (الجؤجؤ)، بينما يتم ربط المؤخرة (الكوثل) إلى الشاطىء بالحبال.
40 كانوا يرشون الشعير بين قرون ذبائح الأضحية. رقم صفحة الكتاب الورقي: 43
أداروا رؤوس الذبائح وذبحوها ثم سلخوها ،
واقتطعوا اللحم من الأفخاذ ولفوه بالدهن 460
على طبقتين ، ثم أضافوا شرائح من اللحم فوقه •
وقام العجوز بإحراقه على الخشب المقطّع ، وبسكب
الخمرة المشعشعة فوقه ، فيما الشبان يقفون حوله وهم يمسكون بالمذاري •
وبعد أن شووا قطع الأفخاذ وتذوقوا الأحشاء 41 ،
قطّعوا كل ما تبقى وسفّدوه 465
ثم شووه بعناية ، ووزعوه •
وبعد أن انتهوا وأعدوا المأدبة أكلوا •
ولم يبق جوعان لدى أي منهم إلا ونال نصيبه •
وبعد أن شبعوا من الطعام والشراب
ملأ الشبان أوعية المزج 42 بالخمرة الصرف 470
وتوزعوها ، بعد أن سكبوا عينات 43 من الطاسات •
وقضوا اليوم كله يُرضون الإله بالغناء •
وراح أولئك الشبان الآخيون
يرددون أنشودة مجيدة لأبولو الذي يعمل عن بعد ،
وكان يستمع إليهم بسرور •
وبعد أن غربت الشمس وحل الظلام ، 475
استلقوا وناموا قرب حبال مؤخرة السفينة •
ولكن حين ظهرت الفجر 44 من جديد بأصابعها الوردية
انطلقوا في البحر صوب معسكر الآخيين الكبير •
وأرسل أبولو عن بعد ريحاً قوية مواتية •
رفعوا الصاري مجدداً ونشروا عليه الأشرعة البيضاء•
--------------------------------------------------------------------------------
41 الأحشاء المقصودة هي الكبد والقلب والرئة (المعلاق) والكلية والطحال.
42 أوعية لمزج الخمور؛ لأنهم لم يكونوا يشربون الخمرة صرفاً.
43 جرت العادة أن يسكب كل شارب عينة صغيرة من الشراب على الأرض قبل البدء، كتحية للإله.
44 الفجر عنده مؤنث (أنثى)، وهي إلهة أيضاً.
رقم صفحة الكتاب الورقي: 44
وملأت الريح الأشرعة • وحين صاروا في عرض البحر
نهضت موجة زرقاء وراحت تغني ، فيما السفينة تتقدم •
كانت تمخر العباب مسرعة شاقة طريقها •
وحين وصلوا عائدين إلى معسكر الآخيين
سحبوا السفينة السوداء إلى الشاطئ 485
وأوصلوها إلى الرمل ، وأدخلوا تحتها الدعائم الطويلة •
ثم تفرقوا نحو سفنهم ومقراتهم •
ولكن ابن بيليوس الإلهي المولد ، ذا القدمين السريعتين،
كان ما يزال جالساً محتقناً بغضبه قرب سفنه السريعة •
لن يذهب بعد اليوم إلى المحافل التي يعود منها الرجال بالمجد • 490
لن يشترك في معركة ، بل سيظل يروح عن قلبه
وهو جالس هناك ، رغم توقه الدائم لصيحات الحرب والقتال •
وحين ظهرت الفجر الثانية عشرة بعد ذلك اليوم
عاد الآلهة الذين يعيشون إلى الأبد مجتمعين
وعلى رأسهم زيوس • ولم تنس ثيتيس طلبات ابنها • 495
خرجت من بين أمواج البحر في الصباح الباكر
وصعدت إلى السماء الشاهقة ، فإلى الأولمب •
ورأت ابن كرونوس ، عريض الجبين ، معتزلاً الآخرين
جالساً على أعلى قمة في الأولمب الوعر •
اقتربت وجلست إلى جانبه • وبيدها اليسرى 500
أحاطت ركبتيه • ومدت يدها اليمنى تحت ذقنه ،
وراحت تتضرع إلى زيوس ، ابن كرونوس :
" إن كان قد سبق لي أن قدمت لك معروفاً بالقول أو بالفعل
--------------------------------------------------------------------------------
رقم صفحة الكتاب الورقي: 45
وحدي بين البشر الفانين ، فامنحني ما أطلبه منك •
كرّم ابني ، ذا العمر الأقصر بين البشر • 505
فسيد البشر ، أغاممنون ، قد أهانه •
أخذ غنيمته ، واحتفظ بها لنفسه •
فيا زيوس ، رب المشورة ، سيد الأولمب ، رد له شرفه •
وامنح القوة للطرواديين إلى أن يعيد الآخيون
لابني حقوقه ، وتعلو مكانته بينهم • 510
أنهت كلامها • ولكن زيوس الذي يجمع الغيوم لم يجب •
ظل في صمته لفترة طويلة • وفيما ثيتيس ما تزال
ممسكة بركبتيه شدت عليهما وألحت بسؤالها :
" احن رأسك وعدني بتحقيق ذلك •
أو ارفضه ، فليس لديك ما تخشاه ، فاعرف 515
كم أنا مهانة بين الآلهة جميعاً " •
وأجابها زيوس الذي يجمع الغيوم وهو في أشد القلق :
" إنها لكارثة أن تزجّي بي في صراع مع هيرا 45 •
فهي تزعجني باتهاماتها •
وحتى والأمور على ما هي عليه الآن ، هي تظل بين الآلهة الخالدين 520
تقف ضدي وتتحدث عن مساعدتي للطرواديين •
ولذلك ارجعي الآن ، ابتعدي ، خشية
أن ترانا • وسأتدبر تحقيق هذه الأمور •
وانظري • فأنا سأحني رأسي لكي تصدقيني •
فهذه الإشارة بين الآلهة الخالدين هي الدليل الأكبر 525
الذي أستطيع أن أقدمه • وما من شيء أفعله يذهب عبثاً
--------------------------------------------------------------------------------
45 لزيوس، في الإلياذة، وضع غريب. فهو الإلة الأكبر الذي لا يتم شيء في الدنيا إلا بإذنه وبعلمه، وهو إله السماء والطقس. ولكنه أب لعائلة كبيرة يواجه الصعوبات في فرض سلطته، وخاصة على زوجته هيرا.
رقم صفحة الكتاب الورقي: 46
أو يمكن رده • وما من شيء لا يتحقق حين أحني رأسي موافقاً عليه " •
أنهى ابن كرونوس كلامه ، وأحنى رأسه بحاجبيه الأسودين •
وانسدل شعر الإله العظيم المدهون بزيت الخلود
عن رأسه المقدس فارتج الأولمب كله 46 • 530
وافترق الاثنان بعد رسم خطتهما •
قفزت ثيتيس من الأولمب المتلامع ثانية إلى أعماق البحر •
وعاد زيوس إلى بيته ، فنهض الآلهة كلهم عن مقاعدهم
لتحية قدوم أبيهم • ولم تكن لدى أحدهم الشجاعة
للبقاء في مكانه لدى قدوم الأب • بل وقف الجميع لتحيته • 535
وهكذا استوى على عرشه • ولكن هيرا لم تكن غافلة •
وقد رأت كيف كان يعقد جلسته مع ثيتيس
ذات القدمين الفضيتين ، ابنة عجوز البحر •
وسرعان ما تحدثت إلى ابن كرونوس مشهّرة :
" بمن من الآلهة كنت مجتمعاً أيها الخائن ؟ 540
يظل عزيزاً على قلبك أن تفكر في غيابي
بأمور سرية فتقررها • لم يكن لديك الجلد يوماً
لأن تتحدث معي بما تخطط له " •
فأجابها أبو الآلهة والبشر :
" لا تتوهمي يا هيرا أنك ستسمعين أفكاري كلها • 545
فهي ستكون صعبة عليك جداً ، مع أنك زوجتي •
وأية فكرة يجوز لك أن تسمعيها
لن يسمعها بشر أو إله قبلك •
ولكن كل ما أرغب أن أخطط للقيام به بمعزل عن الآلهة
--------------------------------------------------------------------------------
46 لهذه الإشارات علاقة بكونه إله الطقس. فالحاجبان الأسودان يمثلان الوجه الآخر للعاصفة. والشعر المنسدل هو شتات الغيم المتخلف عن العاصفة. وارتجاج الأولمب هو أثر الرعد.
رقم صفحة الكتاب الورقي: 47
لا تحاولي أن تسأليني عنه ، أو أن تتحري عن كل تفصيل فيه " • 550
فردت الإلهة هيرا ذات العينين البقريتين 47 :
" يا صاحب الجلالة ، ابن كرونوس ، ما هذا الكلام الذي تقوله ؟
لقد مر زمن طويل لم أسألك فيه أو أستقص عن شيء منك •
وأنت حر في أن تفكر في كل ما تحب •
ولكنني خائفة من أنه قد تم كسبك 555
من قبل ثيتيس ذات القدمين الفضيتين ، ابنة عجوز البحر •
ففي الصباح الباكر كانت تجلس قربك ، وتمسك بركبتيك •
وأظن أنك قد أحنيت رأسك موافقاً على تكريم آخيل
وعلى إفناء الكثيرين قرب السفن الآخية " •
فرد عليها زيوس ، الذي يجمع الغيوم ، ثانية : 560
" يا سيدتي العزيزة ، إنني لم أتهرب منك قط • وأنت تظلين مليئة بالشكوك •
وإنك غير قادرة على التأكد من شيء ، إلا بالبقاء
بعيدة عن قلبي أكثر من أي وقت مضى • وهذا ليس في صالحك •
إن صح ما تقولينه فإنه ما أرغب فيه فعلاً •
فاذهبي واجلسي صامتة وافعلي ما آمرك به • 565
لأنني أخشى أن الآلهة كلهم ، ومهما بلغوا في الأولمب ، لن يستطيعوا
لك شيئاً إذا ما اقتربت منك وألقيت عليك بيدي التي لا تُقهر 48 " •
وحين أنهى مقاله دب الخوف في قلب السيدة هيرا ، ذات العينين البقريتين ،
فابتعدت وجلست صامتة تروض قلبها على الطاعة •
واضطرب الآلهة الأورانيون كلهم في بيت زيوس • 570
ونهض هيفايستوس ، الصنايعي الشهير ، ليتكلم بينهم
وليهدئ أمه الحبيبة ، هيرا ، بيضاء الذراعين :
--------------------------------------------------------------------------------
47 صار معروفاً أن تشبيهات الآلهة أو بعض ملامحها بالحيوانات هي من رسوبات عبادة هذه الحيوانات. ولهيرا عينان بقريتان، وأحياناً عينا بومة. كما أن التشبيهات تحمل معاني مختلفة عما صارت تعنيه في الثقافات الحديثة. فنحن قد نستنكر الان تشبيه الأمين أو الوفي بالكلب، مما كان جائزاً في ثقافتنا العربية القديمة. كذلك فإن تشبيه البطل بالخنزير أو بالدب في الإلياذة، أو القول إن لهيرا عينين بقريتين يجب أن يؤخذ على أنه من باب الإطراء والإعجاب.
48 من الواضح أن زيوس المتهاون، حين يواجه اعتراضاً أو مقاومة، يصبح قاسياً وحاسماً.
رقم صفحة الكتاب الورقي: 48
" ستكون كارثة لا تُحتمل
أن تتشاجرا ، أنتما ، من أجل البشر •
وتثيرا الاضطراب بين الآلهة • لن تكون هناك مسرة أبداً 575
في المأدبة ذات الأبهة إن طفت الأمور الفاسدة
وإنني أرجو أمي ، مع أنها تتفهم ذلك مسبقاً ،
أن تكون ودودة مع أبينا زيوس • حتى لا يلجأ أبونا
مرة أخرى إلى تأنيبها ويفسد هدوء احتفالنا •
لأنه إن كان الأولمبي الذي يسيطر على البرق معنياً 580
بقذفنا من أماكننا ، فهو الأقوى منا جميعاً •
فهل لك أن تتوجهي إليه من جديد بكلمات لطيفة
وسيستعيد الأولمبي كرمه معنا فوراً " •
وهب واقفاً ، بعد حديثه ، ووضع الكأس المزدوجة
بين يدي أمه ، وأضاف في كلامه لها : 585
" اصبري يا أماه ، وتحملي رغم حزنك •
فأنا أخشى أن أراك ، وأنت العزيزة إلى قلبي ،
وقد ضربك قضاؤه أمام عيني • ورغم حزني عندها
لن أستطيع أن أفعل شيئاً • إنه ليصعب النزاع مع الأولمبي •
لقد حدث مرة أن لجأت إلى مساعدتك • 590
فأمسك بي من قدمي وألقى بي عن العتبة السحرية 49 •
وظللت معلقاً طوال النهار بلا حول • وقبيل الغروب
سقطت في ليمنوس ، وأنا في آخر رمق • 50
وبعد هذه السقطة اعتنى بي السينتيون •
وبابتسامة تقبلت الكأس المزدوجة من يد ابنها •
--------------------------------------------------------------------------------
49 كثيراً ما يقوم زيوس بقذف بعض الآلهة عن الأولمب. وقد سبق أن قذف بإلهة الخداع (إيتي).
50 هذه السقطة هي التي اعتبرها ملتون في " الفردوس المفقود" سقطة الملاك الرافض (إبليس). ولكن ملتون أيضاً يعتبر زيوس هو جوف:" كيف سقط من السماء، كما يروون، وقد ألقى به جوف الغاضب".
رقم صفحة الكتاب الورقي: 49
وبعدها راح يسكب الشراب لبقية الآلهة مبتدئاً من اليسار
وهو يدلق الرحيق الحلو 51 من وعاء المزج •
ولكن ، بين الخالدين المباركين تصاعدت ضحكة 52
لا يمكن السيطرة عليها ، وهم يرون هيفايستوس يروح ويجيء في القصر • 600
وبعد ذلك ظلوا طوال اليوم ، حتى غروب الشمس ،
يحتفلون ، ولم يبق جوع لأي طعام إلا ونال نصيبه •
ولم تهدأ القيثارة بين يدي أبولو
ولا أصوات الملهمات 53 الحلوة في الغناء •
وحين غاب ضوء الشمس الملتهبة 605
ذهبوا لينام كلٌّ في بيته
الذي شيده هيفايستوس ، قوي الذراعين وبارع الصنعة ،
لكل منهم بدهائه وبراعته •
وذهب زيوس ، الأولمبي ، رب البرق ،
إلى فراشه ، الذي كان يستلقي فيه كلما راوده النوم الحلو • 610
بعد صعوده إلى فراشه نام ، وإلى جانبه تمددت هيرا ذات العرش الذهبي •
--------------------------------------------------------------------------------
51 الرحيق هو شراب الآلهة، مثلما أن الخمر هو شراب البشر.
52 هذا ما يسمى " الضحك الهومري". لن هيفا يستوس، وهو الحداد، كان أعرج وثقيل الحركة. وقيامه بتقديم الشراب ، بدل الخدم الموكلين بذلك، كان مقصوداً لتفجير الضحك وتخفيف التوتر.
53 في جلسات الترفية الإليهة في الأولمب يعزف أبولو للملهمات وهن يغنين.
الفصل الثاني
رقم صفحة الكتاب الورقي: 57
نام بقية الآلهة ، والرجال محاربو العربات ،
طوال الليل 1 • ولكن سكينة النوم لم تنزل على زيوس •
فقد كان يقلب في رأسه كيف يمكن أن يكرّم
آخيل ، ويُفني الكثيرين إلى جانب سفن الآخيين •
وبدا له أن خير رأي هو 5
أن يرسل حلماً شريراً إلى ابن أتريوس ، أغاممنون •
استدعى الحلم ، وأبلغه بكلمات مجنحة :
" اذهب أيها الحلم الشرير إلى قرب سفن الآخيين السريعة ،
واقصد مقر ابن أتريوس ، أغاممنون •
وخاطبه بالكلمات التي ألقنك إياها تماماً • 10
قل له أن يسلّح الآخيين ذوي الشعور المسترسلة ليتهيؤوا للمعركة
بأسرع ما يستطيع ، حيث أنه سيتمكن الآن من مدينة الطرواديين
ذات الطرق الواسعة • إذ أن الآلهة التي في الأولمب
لم تعد تناقش الأمر • فقد أجبرتهم هيرا جميعاً
بتضرعاتها • وإن الويلات بانتظار الطرواديين 2 " • 15
أصغى الحلم للكلمات التي قالها ، ونزل •
وتسلل بخفة إلى سفن الآخيين السريعة
حتى وصل إلى أغاممنون ، ابن أتريوس ، فوجده
نائماً داخل مقره وسط غيمة من النعاس الإلهي •
ووقف إلى جانب رأسه 3 في هيئة نستور 20
ابن نيليوس ، الذي يقدره أغاممنون أكثر من جميع المسنين ،
وكلمه الحلم ، وهو على هيئة نستور :
--------------------------------------------------------------------------------
1 يقول أرسطو في كتابه " فن الشعر " إن النقاد المعاصرين له قد اعترضوا على نوم المحاربين كلهم • فهذا يعني أن الجيش غافل ومتروك دون حراسة • كما اعترضوا على مشهد نوم الآلهة كلهم حول زيوس• ويرد أرسطو أن كلمة " كل " ، ببساطة تعني " معظم " • كما أن نوم الآلهة الآخرين حول زيوس، بينما هو غير نائم ، تعطي صورة معكوسة عما يقولون • إنه الأب الذي لا ينام ، ويرعى الآلهة والبشر ، ويفكر في شؤونهم •
2 - يقترح أرسطو أيضاً أن هذه العبارة غير دقيقة • وكان في كلامه هذا يدافع عن هوميروس الذي اتهم بقلة احترام للآلهة ، إذ يجعل زيوس يغني أغنية ، من جهة ، ومن جهة أخرى يبدو عليه أنه إله شرير وكاذب ؛ إذ يرسل رسالة غير صحيحة لأغاممنون ، ليورطه • ويقترح أرسطو أن العبارة هي " سنمنحه -لأغاممنون- المجد العظيم " ، بدلاً من نزول الويلات على الطرواديين •
3 - يأتي الحلم إلى النائم في هيئة شخص يقف قرب رأسه ويحادثه •
رقم صفحة الكتاب الورقي: 58
يا ابن أتريوس الحكيم ، مروض الخيول ، هل أنت نائم ؟
ليس على من يتحمل مجالس الاستشارات والمسؤوليات عن الناس ،
ويهتم بالكثيرين ، أن ينام الليل بطوله • 25
فاستمع بسرعة لما سوف أقول • أنا رسول إليك من زيوس ،
الذي يهتم بك من بعيد جداً ويشفق عليك •
إن زيوس يطلب منك أن تُعدّ الآخيين ذوي الشعور الطويلة للمعركة
بأقصى سرعة • فالآن يمكنك أن تجتاح مدينة الطرواديين
ذات الطرق الواسعة • فالآلهة الذين يعيشون في الأولمب لم يعودوا 30
مختلفين حول الموضوع ، إذ أن هيرا أجبرتهم كلهم
بتوسلاتها ، وصار الويل من زيوس
بانتظار الطرواديين • دع هذه الفكرة في قلبك ، ولا تدع النسيان
يستولي عليك بعد تخلصك من الوسن الحلو " •
ولما انتهى من كلامه ذهب تاركاً أغاممنون ، 35
وقد صدق أموراً لن تتحقق •
إذ صار يعتقد أنه في ذلك اليوم بالذات سيجتاح مدينة بريام •
وياله من أحمق مغفل لم يعرف ما خطط له زيوس لينجزه •
وزيوس هو الذي كان مصمماً على صبّ الدموع والآلام
على الطرواديين والدانانيين سواسية في مجابهات عنيفة • 40
واستيقظ أغاممنون من نومه ، والصوت الإلهي ما يزال يتردد من حوله •
جلس ولبس ثوبه ،
الجميل حديث الحياكة ، والتف بالعباءة فوقه ،
وربط صندله اللطيف تحت قدميه اللامعتين ،
وبين كتفيه علق السيف ذا المسامير الفضية ، 45
--------------------------------------------------------------------------------
رقم صفحة الكتاب الورقي: 59
ثم حمل صولجان آبائه ، الخالد أبداً •
وخرج إلى جانب سفن الآخيين المدرعين بالبرونز •
وكانت الإلهة الفجر قد اقتربت من الأولمب الشاهق
لتوصل رسالة النور إلى زيوس والآلهة الآخرين •
وكان أغاممنون قد أمر مراسليه ذوي الأصوات الجهورية بأن ينادوا 50
بالدعوة إلى اجتماع للآخيين ذوي الشعور المسدلة •
وأطلق المراسلون نداءاتهم ، فهرع الرجال إلى الاجتماع •
وعقد في البداية مجلساً خاصاً بالأمراء ذوي القلوب النبيلة
قرب سفينة نيستور ، ملك شعب بولوس •
وبالتئام شملهم طرح خطته المدمرة : 55
" اسمعوني يا أصدقائي • لقد زارني في نومي حلم إلهي
عبر الليل الخالد ، وكان في مظهره وبنيته
وهيكله أشبه ما يكون بنيستور العظيم •
جاء ووقف قرب رأسي وقال لي كلمة :
يا ابن أتريوس الحكيم مروض الخيول ، هل أنت نائم ؟ 60
ليس على من يتحمل مجالس الاستشارات والمسؤوليات عن الناس
ويهتم بالكثيرين أن ينام الليل بطوله •
فاسمع الآن لما سوف أقول طالباً فأنا رسول إليك من زيوس ،
الذي يهتم بك من بعيد جداً ويشفق عليك •
إن زيوس يطلب منك أن تُعدّ الآخيين ذوي الشعور الطويلة للمعركة 65
بأقصى سرعة • فالآن يمكنك أن تجتاح مدينة الطرواديين
ذات الطرق الواسعة • والآلهة الذين يعيشون في الأولمب لم يعودوا
مختلفين حول الموضوع ، إذ أن هيرا أجبرتهم كلهم
--------------------------------------------------------------------------------
رقم صفحة الكتاب الورقي: 60
بتوسلاتها ، وصار الويل بانتظار الطرواديين
بإرادة من زيوس • فاحفظ هذا في قلبك • قال ذلك 70
وصفق الحلم جناحيه ، ففارقني النوم الحلو •
فهيا بنا نرى إن كنا نستطيع أن نستنفر أبناء الآخيين •
ولكن دعوني أولاً أجري عليهم تجربة بالكلمات 4 •
فهي الطريقة الأفضل • سأطلب منهم الهروب إلى سفنهم ذات المقاعد •
ولتتوزعوا بينهم لتأمروهم بعدم فعل ذلك " • 75
أنهى كلامه وجلس • فنهض من بينهم نيستور ،
الذي يحكم كملك على بولوس الرملية •
وبحسن نية تجاه الجميع خاطبهم قائلاً :
" يا أصدقائي ، قادة الآخيين الذين تعقدون اجتماعكم هذا ،
لو أن أي آخي آخر حكى عن هذا الحلم 80
لقلنا إنه يكذب 5 • ولتحولنا عنه •
ولكن الذي رآه هو خير الآخيين •
فهيا بنا نرى إن كنا نستطيع استنفار أبناء الآخيين " •
أنهى كلامه ومشى في الطليعة خارجاً من المجلس •
فنهض الملوك الآخرون ذوو الصولجانات 85
ملبين طلب راعي الرعية ، وتحشد الجيش من ورائهم ،
مثل أسراب النحل التي تخرج دائماً
على موجات من تجويف في صخرة
وتتعلق كالعناقيد وهي تحوم تحت أزهار الربيع
متأرجحة في مجموعات هنا وهناك • 90
هكذا اندفعت جموع الرجال خارجين ، من السفن والمقرات
--------------------------------------------------------------------------------
4 يعقب ويلكوك على تجربة أغاممنون هذه كما يلي : " إن أغاممنون يقدم اقتراحه، لاختبار معنويات الجيش ، بأن يعرض عليهم الفرار ، وكأن هذه هي الطريقة العادية-، " فهي الطريقة الأفضل " • ولكن عملياً من الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى النتيجة التي تحدث هنا :- الاندفاع نحو السفن • وحين يحدث ذلك لا يقوم أعضاء المجلس بما طلبه منهم أغاممنون في البيت رقم 75 • وهنا شيء من التشوش • ويزداد الأمر سوءاً أن أغاممنون في مكانين آخرين من الإلياذة يعرض جدياً ما يعرضه هنا كنوع من الاختبار للجيش ، وهو الهرب والعودة • مما يدل على أن هذه القيادة الضعيفة متأصلة فيه • وهي من أساس شخصيته • ولكن مهما كان الانتقاد الموجه لهذا الاقتراح ، بأنه اقتراح أحمق وغير منطقي ، بعد الوعد الذي أرسل إليه عن طريق الحلم ، إلا أنه ينجم عنه سرد قصصي حيوي ومثير "- إن نيستور متشكك في الحلم• ولكنه يطيع الملك •
5 ص62