اليمين المتطرف يتمدد داخل حزب ساركوزي

د.مصطفى صايج أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الجزائر لـ "الشبيبة": اليمين المتطرف يتمدد داخل حزب ساركوزي

4/17/2011
حوار – محمد محمود البشتاوي
جريدة الشبيبة العمانية
http://www.shabiba.com/innerpage.asp?detail=79718


الأزمات التي يمر بها المنطقة خاصة بعد التطورات في الشمال الأفريقي، تدفع بالمراقبِ لوضعِ جملة من التساؤلات، حول آلية ترتيب الأوراق، وكيفية إدارة الأزمات، فعلى سبيل المثال دخل الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي بقوةٍ في المشهد الليبي، بعد أن اكتفى سابقاً بمراقبة ما يجري في تونس، ومصر، في حين انتقدت روسيا القرار 1973 لمجلس الأمن على لسان بوتين، وتحفظت عليه في التصويت داخل مجلس الأمن، علاوةً على مواقف دول أخرى، منها ألمانيا، التي لها حساباتها الخاصة.
"الشبيبة" تناولت في هذا الحوار الخاص، مع الدكتور مصطفى صايج، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر، عدة قضايا، كان أهمها ما تشهدهُ ليبيا، إضافة إلى العلاقات الجزائرية الفرنسية، والعلاقات مع روسيا، وملفات أخرى حول خاصرة المتوسط التي أصبحت رخوة، في ظل الوضع الهش في كل من تونس والقاهرة وطرابلس، وفيما يلي نص الحوار:

الأزمة الليبية ومنطق المصالح ما خسرهُ ساركوزي في تونس، ومصر، حاول تعويضهُ في ليبيا؛ فإلى أيِّ حدٍّ تتفق مع هذه المعادلة، حيث يرى بعض المراقبين أن ما حدث مثَّل طوق النجاة للرئيس الفرنسي الذي تدنت شعبيته، وهو مقبلٌ على الانتخابات الرئاسية؟ مع الأخذ بعين الاعتبار أن حزب "الاتحاد من أجل الحركة الشعبية" مُني بهزيمة كبيرة في انتخابات الأقاليم؟

د.م.صايج: حقيقة يمكن تقييم الموقف الفرنسي من الأزمة الليبية انطلاقا من البيئة السياسية الداخلية لفرنسا، من حيث التنافس السياسي في ظل صعود اليمين الفرنسي وتراجع مكانة حزب ساركوزي في الاستحقاقات الانتخابية كما تبينه عمليات سبر الآراء، لكن أعتقد أن الموقف الفرنسي في الحالة الليبية لا يخضع لحسابات الرئيس لوحده أو للبيئة السياسية الداخلية فقط، وإنما هناك عامل المصلحة الوطنية الفرنسية هو الذي يحدد أكثر السلوك الفرنسي اتجاه ليبيا، فانطلاقا من أن فرنسا دولة المؤسسات التي تبني قراراتها استنادا لرؤى وتصورات تصنعها مجموعة من الفواعل السياسية، الأمنية، العسكرية والسياسية بما يخدم المصالح الفرنسية في جنوب المتوسط ومنطقة الساحل الأفريقي، فالاعتراف المبكر لفرنسا بالمجلس الانتقالي في بنغازي والسعي لإصدار القرارين 1970 و1973 يوحي بأهمية ومكانة ليبيا الجيوبوليتيكية سواء تعلق الأمر بالمجال الجغرافي الحيوي أو الموارد الطاقوية، يضاف إليها سعي فرنسا لإبعاد الوجود الليبي من منطقة الساحل حيث الموارد الحيوية في شمال مالي والنيجر والتشاد، وهو ما يعطي للفرنسيين بناء تحالف ونفوذ في منطقة تاريخيا كانت خاضعة لبريطانيا وإيطاليا.
"هذا القرار معيب. ويذكرني بالدعوة إلى الحروب الصليبية في العصور الوسطى"، هكذا يصف بوتين الحظر الجوي على ليبيا، في حين اكتفى الرئيس الروسي ميدفيديف بعدم استخدام حق النقض "الفيتو" ضد القرار 1973، وعليه؛ كيف تقرأ الموقف الروسي من الأزمة الليبية؟

د. صايج: الموقف الروسي تحكمه مجموعة من الحسابات، أولها أن نظام القذافي يمثل سوق مهمة للصناعات العسكرية الروسية المتنافسة مع الفرنسيين والأمريكيين (الميج-الرافال-أف 16)، وهو ما اتضح في مجموعة الخبراء الروس الموجودين في ليبيا وانسحابهم مباشرة بعد تطبيق قرار الحظر الجوي، ثانيا أن روسيا تنظر إلى منطقة شمال أفريقيا خصوصا ليبيا والجزائر كدولتي ارتكاز لمصالحها الأفريقية والمتوسطية.
الجزائر بين فرنسا وروسيا كيف تقيِّم العلاقات بين الجزائر وروسيا، وهل يمكن أن يكون هنالك تعاوناً للطاقة بين البلدين – في مجال إنتاج وتسويق الغاز على وجه التحديد؟

د.صايج: إذا كانت العلاقات الجزائرية الروسية ذات أبعاد تاريخية منذ فترة الاتحاد السوفياتي حيث كانت الجزائر تعتمد في بناء قدراتها الدفاعية والعسكرية على التجهيزات والتكوين السوفياتي، فإن فترة ما بعد الحرب الباردة أعطت للجزائر قدرة على تنويع شركائها وتحول العلاقات من الضبط الإيديولوجي إلى المصالح والمنافع المتبادلة، وهذا ما اتضح في قضية إلغاء الديون المستحقة لروسيا على الجزائر وتحويلها إلى صفقة للسلاح وصلت إلى 7 بلايين دولار، اختبرت فيها قدرة الجزائر على رفض صفقة طائرات الميغ لعدم تطبيقها للمواصفات التقنية المطلوبة.
وفيما يخص الشراكة في مجال الطاقة والغاز، فالتجربة الأولى أوضحت إلى أي مدى أزعج فتح مكتب لغاز بروم بالجزائر الأوروبيين الذين اعتبروا الشراكة تهديدا لأمنهم الطاقوي، لكن هذا لا يمنع من النظر إلى المجال التنافسي بين الجزائر وروسيا على السوق الأوروبية، رغم الاحتياطات والإنتاج الضخم لروسيا من الغاز مقارنة بالجزائر.

توتر العلاقات الفرنسية الجزائرية، قديم، إلا أن المتابع يجدُ أن الخوف من الإسلام "الإسلاموفوبيا"، يُلَخَّص لدى اليمين الفرنسي – الجبهة الوطنية بزعامة لوبان – بـالجزائر، كما شاهدنا في الحملات الإعلامية الأخيرة، فما السبب برأيك؟

د.صايج: العلاقات الجزائرية الفرنسية لا تزال تحكمها عقدة النيوكولونيالية، رغم أن الجزائر تستورد ما قيمته 6 بلايين دولار سنويا من فرنسا، كما أن قضية المهاجرين الجزائريين لا تزال حبيسة المفاوضات بين الجزائر وفرنسا فيما يخص إعادة النظر في اتفاقيات سنة 1968 التي تحكم الهجرة والجالية الجزائرية بفرنسا، وهو ملف معقد بين رؤيتين متناقضتين، الجزائر تريد الحفاظ على الامتيازات التي قدمتها الاتفاقية بينما فرنسا تريد إلغاءها.

أما تصاعد الإسلاموفوبيا ضد المهاجرين الجزائريين فيرجع أساسا إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في فرنسا، مما يجعل التلويح بخطر الإسلام في فرنسا مسألة حيوية لتعبئة الفرنسيين حول مشروع اليمين الذي توسع حتى داخل حزب ساركوزي ذاته، وهو ما طرح في قضايا للنقاش حول الإسلام والعلمانية في فرنسا أو تعيين وزير للهوية والإدماج.

خاصرة المتوسط.. باتت رخوة خاصرة المتوسط باتت رخوة، في ظل الوضع الهش في كل من تونس والقاهرة، في حين أفلتت طرابلس قبضتها عن متابعة "الهجرة السرية" ومكافحة "الإرهاب"، فما هو مستقبل الأمن في شمال أفريقيا، وجنوب أوروبا (إيطاليا، أسبانيا، وفرنسا)؟ وهل يمكن للأحداث الجارية أن تعزز من نفوذ ما يسمى بتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"؟

د.صايج: ما تعيشه دول أساسية في جنوب المتوسط هو حالة تعكس فشل مشاريع التعاون والشراكة الأوروبية المتوسطية، ففي تقييم للشراكة في مسار برشلونة بعد عقد من دخوله حيز التنفيذ أظهر تفاوت في الدخل فاق العشرة مرات بين الدول الأوروبية ودول جنوب المتوسط، كما أن هذه الحالات أثبتت حالات من الفشل التنموي في التوزيع العادل للثروة والسلطة، ونتائجها ستكون كارثية على منطقة شمال أفريقيا ودول جنوب المتوسط، أولا بانهيار الدولة الوطنية في مرحلة الانتقال الديمقراطي وما ينتج عنها من فراغ أمني وسياسي يجعل من منطقة شمال أفريقيا منطقة رخوة ورمادية تحفز تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجماعات الجريمة المنظمة في الاستفادة من هذه البيئة، خصوصا بعدما تمركزت أساسا في دول الساحل الأفريقي، فالوضع في ليبيا بالخصوص إذا ربطناه بمشاريع القذافي في الساحل وكسب ولاءات مع قبائل الطوارق فإن الفراغ في حد ذاته سيعيد ترتيب الولاءات وفق المصالح المتبادلة مع الجماعات التي تفرض قوتها في المنطقة.
تضارب المصالح في أفغانستان الدكتور عبدالباقي عبدالكبير، الخبير الأكاديمي والمحلِّـل السياسي الأفغاني يرى أن أمريكا في مأزق أفغانستان وطالبان غير مؤهلة للحكم؛ فما رأيك بحالة اللا استقرار في ذلك البلد؟

د.صايج: حالة أفغانستان عبر تاريخها السياسي تظهر حالة اللاستقرار السياسي في بناء الدولة بسبب التنوع الإثني والطائفي وشح الموارد، مما يجعل أي تنظيم أو جماعة سياسية يصعب عليها أن تدير شؤون الدولة وبسط شرعيتها في أفغانستان مع غياب الموارد المادية والمالية، وفي الوقت ذاته فإن العامل الخارجي من الإمبراطورية البريطانية إلى الإمبراطورية السوفياتية، فالأمريكية تنظر إلى أفغانستان كمجال حيوي فاصل بين قوى تتنافس على المكانة العالمية، من الهند إلى الصين إلى إيران إلى باكستان، وبالتالي فإن العامل الخارجي سيزيد من تفاقم الوضع أكثر في أفغانستان لتضارب المصالح في هذه المنطقة بما يخلق قوى أفغانية تستند على الخارج أكثر من الداخل.
"أشعرُ بالضيق لأن أسرع كمبيوتر في العالم موجود في الصين الآن وليس في الولايات المتحدة"؛ بهذه العبارة اختزل الرئيس الأمريكي باراك أوباما أحد أهم أوجه الصراع مع بكين، علاوةً على الخلاف حول سعر صرف اليوان، ومخاوف واشنطن الجيوسياسية في جنوب شرق آسيا، فإلى أي تسير العلاقات الأمريكية الصينية؟

د.صايج: العلاقات الأمريكية الصينية تسير في اتجاهين متناقضين، فكل منهما يحتاج للآخر في بناء قدراته الاقتصادية مما يجعلهما يبحثان عن شراكات استراتيجية كما أوضحته زيارة الرئيس الصيني هوجينتاو لواشنطن والصفقات التجارية الضخمة أو كما تظهره مؤشرات التبادل التجاري بين البلدين وكما بينته أزمة الرهن العقاري في و.م.إ حيث دفعت بالكثير من المصانع الصينية للإفلاس بسبب انهيار السوق الاستهلاكية الأمريكية، لكن في الوقت ذاته هناك اتجاه لتضارب المصالح في قضايا حيوية مثل الموقف الأمريكي الداعم لتايوان أو الموقف الصيني الداعم لكوريا الشمالية وكذا التناقض في مسائل حيوية مثل الملف النووي الإيراني، وهو اتجاه يندرج في إطار لعبة الأمم للهيمنة على ما يسميه برجنسكي برقعة الشطرنج الكبرى أو الجائزة الكبرى من يسيطر على أوراسيا يسطر على العالم.
صايج في سطور
خاص – بجريدة الشبيبة

• الدكتور مصطفى صايج؛ أستاذ جامعي، كاتب ومحلل سياسي، متخصص في العلاقات الدولية.
• ولد في الأول من مارس العام 1968، ببرج الكيفان، الجزائر.
• يحمل درجة الدكتوراة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بأطروحة بعنوان "السياسة الأمريكية اتجاه الحركات الإسلامية: التركيز على إدارة ج. و.بوش 2000-2008".
• محلل سياسي لهُ من الإصدارات كتاب "ترجمة وتحليل دراسة ميرشايمر وولت ستيفن، اللوبي في السياسة الخارجية الأمريكية"، وكتاب "السياسة الأمريكية اتجاه الحركات الإسلامية في فترة إدارة بوش".
• وله من الدراسات "الاتحاد من أجل المتوسط ما بعد مسار برشلونة"، مجلة السياسة الدولية، مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، القاهرة، أكتوبر 2008"، و"الاتحاد من أجل المتوسط: نهاية أم بداية مسار برشلونة"، مركز الشعب للدراسات الاستراتيجية"، ودراسة "سيناريوهات الرئاسيات في الجزائر: ما بعد أبريل 2008"، مؤسسة كارنيجي، و"الحرب اللا تماثلية في أفغانستان: استراتيجية القوى في مواجهة تكتيكات الضعيف، مجلة الكلية الحربية العليا"، 2010.
الدكتور صايج مصطفى:
http://www.dw.de/image/0,,6678031_4,00.jpg