منذ فجر التاريخ........ وعبر مئات القرون والسنين........ ظللت –وأنا الأرض الطيبة والروح الطاهرة والدرة الفريدة- مهدا للتواصل الإنساني...... وفضاءا خصبا لالتقاء الحضارات وتلاقحها....... فغدت المصدر والنبراس على كافة مستوياتي....... مغاربيا..... إفريقيا....... إسلاميا...... ومتوسطيا....... وحتى عالميا.........
وما يحفظه التاريخ لأبنائي.... الفضل في رسم وتحديد شخصيتي........ من حيث بعدي الإنساني وانتماءاتي الثقافية المنفتحة على الآخر........ مع خاصية الأرض وما يتطلبه الكفاح الدائم من أجل البقاء وتحقيق الحرية والسلم....... فارتبط اسمي على الدوام بالكفاح والنضال والحرية والانعتاق.... فكنت أرضا للخيرات......... وأما للأبطال......... وموطنا لحكايات التاريخ الأروع......
هذا ولم ينس التاريخ لي........ انتصاراتي في أعظم ثورة كتبها بنفسه عن طريق دماء طاهرة من أبنائي الأباة..... فحدث الإنسانية عن أبطالي وأبنائي الأحرار......... أمثال الأمير عبد القادر..... الشيخ بوعمامة.... لالة نسومر......... الشيخ الحداد.......... والمقراني....... وبومزراق........
لقد كان كل شبر مني قطعة مقدسة....... وكانت كل طلعة فجر عبارة عن استشهاد وقهر ودموع..... وكانت كل قطرة دم....... كل نقطة دمع........ كل نظرة....... وكل تأوه....عبارة عن رسائل..... ملؤها الصمود والتحدي والأبية والشموخ والإعتزاز والشراسة والإخلاص والوفاء لي ولشعبي الكريم وتاريخي الكبير وعرقي الأصيل........
وكذلك شهد لي التاريخ بعد استقلالي........ بفضلي على حفظ السلام والأمن في العالم...... بفضل جهدي الكبير....... في توثيق أواصر المحبة بين الدول جميعا........ وتوطيد روح الأخوة والإنسانية بينها....... فبنيت أجمل الصداقات..... ورسمت أحلى الابتسامات......... وصغت أقوى التكتلات...... وقاومت أعتى التحديات....... حتى صار اسمي وحيدا متفردا في العالم....... يناطح كبد السماء وعليائها برفعته....... وأكسبت نفسي هيبة واحتراما وتقديرا من الكل..... وانتزعت اعترافا...... من الخصم قبل الصديق........ بمصداقيتي وعظمتي ورفعتي وسموي وثقل وزني.....
فأنا الآن...... حاضرا....... ماضيا....... ومستقبلا....... دولة الشرف والنخوة........ بلاد التضحية والإعتزاز.......... أرض الحرية والسلام.........
أنا الآن....... دولة واحدة........ بلاد متماسكة.... أرض متآلفة.... وقطعة مقدسة........
"قل الجزائر واصغ إن ذكر اسمها تجد الجبابر ساجدينا وركعا
إن الجزائر قطعة قدسية لحنها الرصاص ووقعا" مفدي زكريا......
فمن الشرق للغرب........ من الشمال للجنوب......... أنا واحدة لا أتجزأ.......
الأمازيغي......... الترقي....... الشاوي........ السطايفي........ العربي....... كلهم جزائريون..
وكل ولاية....... كل شبر....... كل منطقة....... متميزة عن غيرها........ متفردة بسماتها...... وثقيلة بتاريخها....... لتغطي الأخريات وتكمل نفسها بنفسها........
"ففي كل شبر في الجزائر صورة وفي كل جزء في الجزائر منظر" مفدي زكريا.........
وولاياتي لا تتسع إلا باكتمالها......... ولا يثقل ميزانها إلا باجتماعها....... ولا تقوى إلا بتلاحمها.. ولا ترتقي إلا بتآلفها........
ففي تكاملها نور....... وفي اجتماعها هيبة....... وفي تلاحمها أزرة......... وفي تآلفها عزة ومكانة وتطور.......
والولايات التالية........ لا تمثل سوى بريقا من حزمة شعاع.... ونجيم من مجرة....... وطير جميل من سرب حمام.... ووردة رائعة من باقة فاتنة....... كلها متميزة......... رائعة........ وراقية....
أنا........... الجزائر........... أم المليون ونصف المليون شهيد........
تلمسان......... جوهرة الغرب الجزائري........
ولايتي التي ستأتي الآن........ عريقة........ كبيرة......... ومميزة.......
تفردت بمميزاتها...... تألقت بأدوارها....... وارتقت بعطاءاتها.........
لكنها بقيت جزءا من حلقة لا تبتر......... حلقة عطرة........ رائعة وثمينة........ تمثلت لآلئها في مجموع الولايات الممتدة شرقا وغربا........ كلها مثلت أروع وأجمل وأعطر باقة ورد.......
هي جوهرة غربي......... وعروسي........ تلمسان.......... التي مدحها الكثير........ وأجلها العديد........ وقدستها الغالبية........
"أمانا تلمسان مغنى الأدب أمانا ربوع الندى والحسب
بحسنك هام أبو مدين وفي معبد الحب شاد القبب
تلمسان أنت عروس الدنا وحلم الليالي وسلوى المحب"........ مفدي زكريا.
هي تلمسان....... أو "ثلم الإنسان" في لسان العرب........ وحسب بعض الروايات....... هي مدينتان...... إحداهما قديمة "أقادير" التي أسسها بنو يفرن قبل الإسلام والثانية أحدثها يوسف بن تاشفين بعد الإسلام......
أما مؤسس الدولة الزيانية......... فكان أبو يحيى يغمراسن بن زيان المولود عام 1235م, والذي بقي يحكم دولته مدة نصف قرن من الزمن حتى وفاته عام1282م, قاد خلالها حروبا طاحنة ضد الحفصيين والمرينيين........ بعد أن بدأ بمحاربة قبائل المغرب الأوسط الثائرة وإرغامها على الإذعان لسلطته وتوسيع ملكه وتحصين عاصمته تلمسان......
وقد دام حكم الزيانيين من 1236م-1554م........ بسلالة أمازيغية لبني عبد الواد, من قبيلة زناتة المستقرة شمال الصحراء الكبرى........ لكنهم بدأو بتأرجحون شيئا فشيئا بيم وصاية الحفصيين في تونس والمرينيين في المغرب....... بعد أن كانت تلمسان مركزا لنشر الثقافة والعلم وتجمعا تجاريا...... وأجبروا مرات عدة في القرنين13-14, على التنحي من الحكم لينتهي بهم الأمر إلى الوقوع تحت سيطرة الدولة المرينية ليعاد إحياء سلطة الدولة حيث بلغت الثقافة أعلى درجاتها.......
لكنهم (الزيانيين) وقعوا مرة أخرى بيد الحفصيين...... ومع التهديد الإسباني, وضع الزيانيون أنفسهم تحت حماية الأتراك الذين لم يتوانوا عن بسط نفوذ في غربي بعد تنحية آخر سلطان زياني.....
هذا وتبقى تلمسان مكانا خلابا....... ومناظر طبيعية رائعة...... وآثار تاريخية كبيرة......... على غرار المنصورة المبنية من قبل السلطان المريني أبو يعقوب المنصورعام1299م, إبان حصار تلمسان الأول........ وشيد بها مسجدا له فأطلقت عليها تسمية "المحلة المنصورة" تيمنا باسمه, وتم نقل كل النشاطات التجارية والاقتصادية, وفي حصار تلمسان الثاني عام1335م من قبل السلطان أبو الحسن المريني الأسود تم إعادتها لتكون مقرا للحكم المريني بالمغرب......
وإضافة للمنصورة........ نجد في تلمسان مكانا عريقا آخر يمتد بجذوره إلى أكثر من 8قرون, وهي المشور التي وصفها المؤرخ التنسي قائلا: "المبنى الرائع الذي ترتفع أجنحته في شكل غير مسبوق وسط مساحات من الخضرة........ كأنها سرقت من جنات بابل......."
ووصفها "ليون الإفريقي" بأنها: "القصر ذو الهندسة العبقرية"...... أما المؤرخ الفرنسي "بارجاس" فقد تحدث مطولا عن الساعة الفضية الضخمة والنادرة, وكذا من روعة معمار المشور قائلا: "إننا اليوم أمام مشور تلمسان....... لؤلؤة تلمسان......"
لقد شيد قصر المشور على قطعة أرض مستطيلة....... وبني بجواره عدد كبير من المحلات التجارية والحمامات والحدائق الجميلة لإقامة ملوك المرابطين والموحدين....... وبعد مجيء أبو حمو موسى الأول عام1317م, قام بتوسيعه ليتحول لقلعة قوية ليقوم بعده أبو العباس أحمد (الأمير الثالث للزيانيين), ببناء سور ضخم ومنيع حول القصر لكنه ما فتئ أن علاف أحداثا دامية, بداية بصراع ملوك تلمسان مع أبناء عمومتهم المرينيين قبل أن يتمكن بابا عروج ومن بعده الأمير عبد القادر من إحكام قبضتهما عليها, ليتم تحويله بعد الاستقلال لمدرسة عسكرية, ثم قصر للصناعات التقليدية......
كما نجد أيضا مقرا تاريخيا كبيرا في تلمسان وذو رمز ديني أصيل...... هو ضريح سيدي بومدين المتوفى عام1197م......
وفي الأخير تجدون أن تلمسان وبالإضافة لآثارها وطبيعتها الرائعة, تحوي تراثا غنيا عن التعريف على غرار اللباس التقليدي المتمثل في الشدة والأكلات التقليدية المتميزة على غرار الزفيطي والكعك التلمساني...... وبعض الممارسات التقليدية كالنحاس (أواني نحاسية) وصنع الفسيفساء والرسم على الزجاج...... ما يميزها كثيرا عن باقي ولاياتي الأخرى ويحفظ مكانها بينها......
