شرح حديث من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلغه منازل الشهداء
الباب الرابع من كتاب رياض الصالحين
باب الصدق
شرح
الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى.
حديث
(ـ من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلغه منازل الشهداء.)
ثانيا :
متن الحديث
من كتاب:
رياض الصالحين للشيخ العثيمين / النسخة الإلكترونية
57 ـ عن أبي ثابت ، وقيل : أبي سعيد ، وقيل : أبي الوليد سهل بن حنيف ، وهو بدري ، رضي الله عنه ، أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : (( من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء ، وإن مات على فراشه ))(178) ( رواه مسلم )
الراوي: سهل بن حنيف المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1909
خلاصة حكم المحدث: صحيح
رياض الصالحين / شرح الشيخ محمد صالح بن عثيمين – رحمه الله - / 1- باب الصدق
حديث رقم :57
ثالثا:
الشرح
هذا الحديث ذكره المؤلف رحمه الله ـ في باب الصدق ، والشاهد منه قوله : (( من سأل الله تعالى الشهادة بصدق )) . والشهادة مرتبة عالية بعد الصديقية ، كما قال الله سبحانه : ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ)(النساء: 69) ، وهي أنواع كثيرة :
منها : الشهادة بأحكام الله عز وجل على عباد الله ، وهذه شهادة العلماء التي قال الله فيها : ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ )(آل عمران: 18) .
وقد ذهب كثير من العلماء في تفسير قوله : (وَالشُّهَدَاءِ ) إلى أنهم العلماء ولا شك أن العلماء شهداء ، فيشهدون بأن الله تعالى أرسل رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ، ويشهدون على الأمة بأنها بلغت شريعة الله ، ويشهدون في أحكام الله : هذا حلال ، وهذا حرام ، وهذا واجب ، وهذا مستحب ، وهذا مكره ، ولا يعرف هذا إلا أهل العلم ؛ لذلك كانوا شهداء .
ومن الشهداء أيضا : من يصاب بالطعن والبطن والحرق والغرق : المطعون والمبطون والحريق والغريق وما أشبههم .
ومن الشهداء : الذين قتلوا في سبيل الله . ومن الشهداء : الذين يقتلون دون أموالهم ودون أنفسهم ، كما قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ حينما سأله رجل وقال : (( أرأيت يا رسول الله إن جاءني رجل يطلب مالي ـ أي عنوة ـ قال : (( لا تعطيه مالك ، قال : أرأيت إن قاتلني ؟ قال قاتله ، قال أرأيت إن قتلته ؟ قال : هو في النار ـ لأنه معتد ظالم ـ قال : أرأيت إن قتلني ؟ قال : فأنت شهيد قال : أرأيت إن قتلته ؟ قال هو في النار ))(179)
الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 140
خلاصة حكم المحدث: صحيح
وقال النبي عليه الصلاة والسلام : (( من قتل دون دمه فهو شهيد ، ومن قتل دون أهله فهو شهيد ، ومن قتل دون ماله فهو شهيد ))(180) .
الراوي: سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل المحدث: الألباني - المصدر: إرواء الغليل - الصفحة أو الرقم: 708
خلاصة حكم المحدث: صحيح
ومن الشهداء أيضا : من قتل ظلما ، كأن يعتدي عليه إنسان فيقتله غيلة ـ ظلما ـ فهذا شهيد .
ولكن أعلى الشهداء هم الذين يقتلون في سبيل الله ؛ كما قال تعالى : ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ( 169 ) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ( 170 ) (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران 169 ـ171 ) ، هؤلاء الشهداء في الآية وهم : الذين قاتلوا لتكون كلمة الله هي العليا ، فما قاتلوا لحظوظ أنفسهم ، وما قاتلوا لأموالهم ، وإنما قاتلوا لتكون كلمة الله هي العليا ، كما قال لك النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ حين سئل عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل ليرى مكانه ، أي ذلك في سبيل الله ؟ قال : (( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ))(181) .
الراوي: أبو موسى الأشعري المحدث: السيوطي - المصدر: الجامع الصغير - الصفحة أو الرقم: 8891
خلاصة حكم المحدث: صحيح
هذا الميزان ميزان عدل ، لا يخيس ميزان وضعه النبي صلي الله عليه وسلم يزن الإنسان به عمله .
فمن قاتل لهذه الكلمة فهو في سبيل الله ، إن قتلت فأنت شهيد ، وإن غنمت فأنت سعيد ، كما قال الله سبحانه : ( قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ) إما الشهادة وإما الظفر والنصر . ( وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا)التوبة: 52) ، أي : إما أن الله يعذبكم ، ويقينا شركم ، كما فعل الله تعالى بالأحزاب الذين تجمعوا على المدينة يريدون قتل الرسول عليه الصلاة والسلام ، فأرسل الله عليهم ريحا وجنودا وألقى في قلوبهم الرعب ،( أَوْ بِأَيْدِينَا) كما حصل في بدر ، فإن الله عذب المشركين بأيدي الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، هذا الذي يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا هو الشهيد .
فإذا سال الإنسان ربه وقال :
اللهم إني أسألك الشهادة في سبيلك ـ ولا تكون الشهادة إلا بالقتال ؛ لتكون كلمة الله هي العليا ـ فإن الله تعالى إذا علم منه صدق القول والنية أنزله منازل الشهداء ، وإن مات على فراشه .
بقي علينا الذي يقاتل دفاعا عن بلده : هل هو في سبيل الله أو لا ؟ نقول : إن كنت تقاتل دفاعا عن بلدك لأنها بلد إسلامي فتريد أن تحميها من أجل أنها بلد إسلامي فهذا في سبيل الله ، لأنك قاتلت لتكون كلمة الله هي العليا .
إما إذا قاتلت من أجل أنها وطن فقط فهذا ليس في سبيل الله ؛ لأن الميزان الذي وضعه النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لا ينطبق عليه من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ، وما سوى ذلك فليس في سبيل الله ، ولهذا يجب أن نصحح للإنسان نيته في القتال للدفاع عن بلده ، بأن ينوي بذلك بأن يقاتل عن هذا البلد لأنه بلد إسلامية فيريد أن يحفظ الإسلام الذي فيه ، وبهذا إذا قتل شهيدا له أجر الشهداء ، وإذا غنم صار سعيدا وربح ، إما ربح الدنيا وإما ربح الآخرة ، وقد وتقدم الكلام على هذه المسألة . والله الموفق .
أسأل الله أن يبلغنا منازل الشهداء
وأن يرحم موتانا وموتى المسلمين
وأن يغفر لنا وللمسلمين الأحياء منهم والأموات
آآآآآآآآآآآآآمين