المحبة
إذا أشارت المحبة إليكم فاتبعوها , و إن كانت مسالكها صعبة متحدرة
و إذا ضمتكم جناحيها فأطيعوها , و إن جرحكم السيف المستور بين ريشها
و إذا خاطبتكم المحبة فصدقوها , و إن عطل صوتها أحلامكم و بددها كما تجعل الريح الشمالية البستان قاعا صفصفاً
لأنه كما أن المحبة تكللكم فهي أيضا تصلبكم , وكما تعمل على نموكم هكذا تعلمكم و تستأصل الفاسد منكم
المحبة تضمكم إلى قلبها كأغمار الحنطة
و تدرسكم على بيادرها لكي تظهر عريكم
و تغربلكم لكي تحرركم من قشوركم
و تطحنكم لكي تجعلكم أنقياء كالثلج و تعجنكم بدموعها حتى تلينوا
المحبة لا تعطي إلا نفسها , ولا تأخذ إلا من نفسها
المحبة لا تملك شيئا و لا تريد أن يملكها أحد
لأن المحبة مكتفية بالمحبة
الزواج
قد ولدتم معا و ستظلون معا إلى الأبد
ولكن فليكن بين وجودكم معا فسحات تفصلكم بعضكم عن بعض حتى ترقص أرياح السموات فيما بينكم
أحبوا بعضكم بعضا ولكن لا تقيدوا المحبة بالقيود بل لتكن المحبة بحرا متموجا بين شواطئ نفوسكم
ليملأ كل واحد منكم كأس رفيقه ولكن لا تشربوا من كأس واحدة
الأبناء
أولادكم ليسوا لكم
أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها, بكم يأتون إلى العالم, ولكن ليس منكم.
ومع أنهم يعيشون معكم, فهم ليسوا ملكاً لكم.
أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم, ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم, لأن لهم أفكارأً خاصةً بهم.
وفي طاقتكم أن تصنعوا المساكن لأجسادهم.
ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم.
فهي تقطن في مسكن الغد, الذي لا تستطيعون أن تزوروه حتى ولا في أحلامكم.
وإن لكم أن تجاهدوا لكي تصيروا مثلهم.
ولكنكم عبثاً تحاولون أن تجعلوهم مثلكم.
العطاء
أو ليس الخوف هو الحاجة هو الحاجة بعينها ؟
أو ليس الظمأ الشديد للماء عندما تكون بئر الظامئ ملآنة هو العطش الذي لا تروى غلته ؟
و هنالك الذين يعطون ولا يعرفون معنى الألم في عطائهم و لا يتطلبون فرحا و لا يرغبون في إذاعة فضائلهم هؤلاء يعطون مما عندهم كما يعطي الريحان عبيره العطر في ذلك الوادي
وقد طالما سمعتك تقول متبجحاً : إنني أحب أن أعطي و لكن المستحقين فقط
و أنت من أنت حتى أن الناس يجب أن يمزقوا صدورهم و يحسروا القناع عن شهامتهم و عزة نفوسهم لكي ترى جدارتهم لعطائك عارية و أنفتهم مجردة عن الحياء ؟
فانظر أولا هل أنت جدير بأن تكون معطاء و آلة عطاء
العمل
إن الحياة تكون بالحقيقة ظلمة حالكة إذا لم ترافقها الحركة
و الحركة تكون عمياء لا بركة فيها إن لم ترافقها المعرفة
و المعرفة تكون عقيمة سقيمة إن لم يرافقها العمل
و العمل يكون باطلاً و بلا ثمر إن لم يقترن بالمحبة
وما هو العمل المقرون بالمحبة ؟
هو أن تحوك الرداء بخيوط مسحوبة من نسيج قلبك مفكراً أن حبيبك سيرتدي ذلك الرداء
هو أن تبني البيت بحجارة مقطوعة من مقلع حنانك و إخلاصك مفكراً أن حبيبك سيقطن في ذلك البيت
هو أن تبذر البذور بدقة وعناية و تجمع الحصاد بفرح و لذة كأنك تجمعه لكي يقدم على مائدة حبيبك
هو أن تضع في كل عمل من أعمالك نسمة من روحك
لأنك إذا خبزت خبزاً و أنت لا تجد لك لذة في عملك فإنما أنت تخبز علقماً لا يشبع سوى نصف مجاعة الإنسان
و إذا تذمرت و أنت تعصر عنبك فإن تذمرك يدس لك سماً في الخمرة المستقطرة من ذلك العصير
الفرح والترح
إن فرحكم هو ترحكم ساخرا..
فكما أعمل وحش الحزن أنيابه في أجسادكم تضاعف الفرح في أعماق قلوبكم
فإذا فرحتم فتأملوا ملياً في أعماق قلبوكم تجدوا أم ما أحزنكم قبلا يفرحكم الآن
الثياب
إن ثيابكم تحجب الكثير من جمالكم ولكنها لا تستر غير الجميل
الجرائم و العقوبات
قد طالما سمعتكم تتخاطبون فيما بينكم عمن يقترف إثما كأنه ليس منكم بل غريب عنكم و دخيل فيما بينكم
ولكنني الحق أقول لكم كما أن القديس و البار لا يستطيعان أن يتساميا فوق الذات الرفيعة التي في كل منكم
هكذا الشرير و الضعيف لا يستطيعان أن ينحدرا إلى أدنى من الذات الدنيئة التي في كل واحد منكم
أنتم الطريق و أنتم المطرقون
فإذا عثر أحد منكم فإنما تكون عثرته عبرة للقادمين وراءه فيتجنبون الحجر الذي عثر به
أجل و تكون عثرته توبيخاً للذين يسيرون أمامه بأقدام سريعة ثابته لأنهم لم ينقلوا حجر العثار من طريقه
إن القتيل ليس بريئاً من جريمة القتل
وليس المسروق بلا لوم في سرقت
لذلك لا تستطيعون أن تضعوا حداً يفصل بين الأشرار و الصالحين أو الأبرياء و المذنبين
أي عقاب تنزلون بذلك الذي يقتل الجسد مرة ولكن الناس يقتلون روحه ألف مرة ؟
الصداقة
إذا صمت صديقك ولم يتكلم فلا ينقطع قلبك عن الإصغاء إلى صوت قلبه.
وإذا فارقت صديقك فلا تحزن على فراقه.
لأن ما تتعشقه فيه، أكثر من كل شيء سواه ، ربما يكون في حين غيابه أوضح في عيني محبتك منه في حين حضوره.
ولا يكن لكم في الصداقة من غاية ترجونها غير أن تزيدوا في عمق نفوسكم.
الحديث
إن بينكم قوم يقصدون الثرثار المهذار، ضجراً من الوحدة والإنفراد. لأن سكينة الوحدة تبسط أمام عيونهم صورة واضحة لذواتهم العارية يرتعدون لدى رويتها فيهربون منها.
ومنكم الذين يتكلمون، ولكنهم عن غير معرفة، وبدون سابق قصد، يظهرون حقيقة لا يدركونها هم أنفسهم.
منكم الذين أودع الحق قلوبهم ، ولكنهم يأبون أن يلبسوه حلة اللفظ. وفي أحضان هؤلاء تقطن الروح في هدوء وسكون .
هذا بعض ما جاء على لسان النبي.. لجبران خليل جبران
وهو كتاب يتحدث عن ذاته ولا يمكن أن يقال عنه سوى كلمة "عليكم بقراءته"
ويتبعه مباشرة كتاب صغير بعنوان "رمل وزبد" وهو عبارة عن مجموعة نقوش من الحكمة والفلسفة والسخرية جمعت في كتاب صغير بحجمه كبير بمحتواه:
التذكار شكل من أشكال اللقاء
يحتاج الحق لرجلين: الواحد لينطق به والآخر ليفهمه
إنما الشعر كثير من الفرح والألم والدهشة مع قليل من القاموس
كثيراً ما ينتحر الإنسان في الدفاع عن نفسه
قولك إنك لا تفهمني مديح لا أستحقه أنا وإهانة لا تستحقها أنت.
عجيب غريب أننا ندافع عن أخطاءنا بأكثر قوة مما ندافع عن صوابنا
ليس اللؤلؤ سوى رأي البحر في الصدف
وليس الماس سوى رأي الزمن في الفحم
ربما كان عدم الاتفاق أقصر مسافة بين فكرين
قالت امرأة: كيف لا تكون الحرب مقدسة وقد مات فيها ابني؟
إنني سائح وملاح في وقت واحد وفي كل صباح أكتشف قارة جديدة في نفسي.
كل فكر حبسته عن الظهور بالكلام يجب أن أطلقه بالأعمال