رسم اللوحة الحزينة

كان يرسم اللوحة بإتقان كبير ، ذاك اللوّن الوردي البارز كثيرا

على الشفتين و الخدين كان لون وجهها ، وجه حزين كئيب

كأيام الخريف اللوحة الوحيدة التي لا ينتهي من رسمها

كل يوم يضيف لها شيئا جديدا مختلفا ، خطا ورتوشا أو لونا
أو رسما آخر ، خلف الصورة للصبّية الناظرة
من خلال الورق بعينيين كئيبتين لرسامها

ذاك اليوم في ذاك العام في ذاك المكان في تلك القرية

انتظرته على أمل العودة من بلاد الروامة

على أمل اجتماع روحين ، كان حلمه كبير ، وعدها قبل رحيله أنه لن
يتغير لتطمئن و يهدأ من تخمينها ، عاد سئل أمه عنها ، صدمته بنبأ
وفاتها حزنا منذ سنين، لم تشأ الزواج بغيره ،

أرغموها على رجل آخر ، له ملامح مختلفة ، هي لا تعرف من
الرجال غيره ، شتمها أهلها أهانوها وبخوها لكن لا تعرف وجها غير
وجهه و لا اسما غير اسمه ، طال انتظارها أشتد حزنها كبر سنها و

أن تكون لرجل آخر هذا ما لم تفكر فيه البتة ، هي لا تعرف في
الرجال غير رائحة ثيابه و عرقه ، ذات صباح انتفضت القرية لنبأ
الوفاة ، لم يعد له بد في تقديم هداياه و لوحاته التي أحضرها من بلاد الروامة بعدما سمع كل هذا من أمه قال : ما قيمة الأشياء إن
لم يكن صاحبها موجودا ؟ لم يكلم أحدا من حينها ، لا يغادر غرفته
المطّلة على غابة الصنوبر إلا لقضاء حاجة ، غابة الصنوبر المقابلة
للوادي ، هناك كان يراقبها حين تنزل لغسل الثياب و ملئ جرة الماء

مع صويحباتها ، بدأ رسم اللوحة مذ جاء لا زال يرسمها ، أبدع في
تصويرها حين عرضها بمعرض العاصمة ساومه أحد التجار ببيعها له
لتقديمها هدية لسياسي قذر كما أخبره ، أجابه ذاك اليوم في ذاك المكان :

هذه اللوحة لا ثمن لها إلا الحياة إنها وجه حبيبتي جعلت لها العمر هنا.

بقلم
خالد الساحلي

» اطفال بغداد الحزينة يصرخون