من السهل جدا على الإنسان العاقل غير الجاحد مهما بلغ مستوى تعليمه أن يوقن بأن اليد البشرية لا بد وأنها قد صممت من قبل صانع عليم خبير سبحانه وتعالى وذلك فقط من خلال معرفة الوظائف العجيبة التي تقوم بها هذه اليد وخاصة عند مقارنتها مع أيادي بقية الحيوانات. ولكن هذا اليقين لا بد وأن يزداد أضعافا مضاعفة لدى الإنسان المتعلم الذي يمكنه أن يفهم تركيب اليد والطرق التي تعمل من خلالها لكي تقوم بأداء وظائفها.
ومن المعروف لمن يقومون بتصنيع الأجهزة والمعدات أن أول خطوات التصنيع هو تحديد الوظيفة أو الوظائف التي سيقوم بها الجهاز ومن ثم القيام بوضع التصميم الأمثل الذي سيصنع على أساسه هذا الجهاز وذلك بعد تحديد الشروط والقيود على مواصفاته كالحجم والكلفة وكمية الطاقة المستهلكة والعمر التشغيلي والشكل الخارجي وغيرها
الكثير.
شكل يقارن بين اليد البشرية وبعض ايدي الحيوانات
وسيتبين للقارئ في هذه المقالة أن اليد البشرية هي معجزة من معجزات الخالق سبحانه وتعالى ولا يمكن في مثل المقالة القصيرة أن نبين جميع وجوه الإعجاز فيها وأنا على يقين أن عدة مجلدات لا تكفي لشرح تفصيلات تركيب اليد إذا ما كتبت من قبل المختصين كل في مجال تخصصه. فالذي يدرس شكل اليد الخارجي فقط سيجد أن هذا الشكل هو الشكل الأمثل والأجمل والذي يدرس تركيب عظامها بأشكالها وأبعادها وموادها يجد إبداعا في التصميم لا يمكن لأحد أن يعدل عليه وكذلك لمن يدرس مفاصلها وطرق ربطها وعضلاتها وطرق تثبيتها وجلدها وما فيه من مستقبلات حسية وأعصابها وشرايينها وأوردتها وطرق تمديدها.
وأما الذين يقومون بدراسة الطرق التي تقوم بها مراكز الحركة في الدماغ للتحكم بهذه اليد فإنهم يقفون عاجزين عن فهم أسرار البرامج المخزنة فيها والمسؤولة عن كل حركة من حركات اليد. ولا زال العلماء بمختلف تخصصاتهم الطبية والهندسية يعملون جاهدين على كشف أسرار تركيب اليد لا لكي يشكروا من قام بتصميمها سبحانه بل لكي يقوموا بتصنيع أيدي بنفس القدرات لمعدات مصانعهم وروبوتاتهم (الإنسان الآلي).
ومن السهل على القارئ مع وجود الإنترنت أن يتأكد بنفسه من الكم الهائل من الأبحاث والدراسات العلمية التي يجريها العلماء والمهندسون على هذه اليد البشرية لكشف أسرار عملها. وسنبدأ أولا بشرح الوظائف والقدرات التي تقوم بها اليد البشرية ومن ثم نقوم بشرح مبسط لتركيب مكوناتها والآليات التي تستخدمها للقيام بهذه الوظائف المعقدة.
لقد تم تصميم الأجزاء المختلفة لليد بحيث يمكنها القيام بوظائف عديدة ومعقدة وغاية في التباين بحيث يكاد يكون من المستحيل الجمع بينها في جهاز واحد.
إن أول وأهم قدرات اليد هو إمكانية وصولها إلى أي موضع على سطح جسم الإنسان كالوصول إلى الفم لتمكينه من أكل طعامه وشرب شرابه والوصول إلى بقية الأعضاء لحكها أو لغسلها أو لعلاجها.
فالإنسان هو الوحيد الذي كرمه الله عز وجل من أن يلتقط طعامه بفمه مباشرة كما تفعل بقية الحيوانات وكرمه سبحانه بأن مكنه من أن يغسل كامل جسمه بالماء ليخلصه من الأوساخ التي تخرج منها أو تقع عليه من الخارج. واليد قادرة كذلك على سحب ودفع الأجسام وكذلك حملها على ظهره أو كتفه أو رأسه.
وهي قادرة كذلك على قذف الأجسام كالحجارة مثلا لمسافات بعيدة وذلك لاصطياد الحيوانات والطيور أو للدفاع عن نفسه عند تعرضه للخطر من قبل الحيوانات المفترسة أو من قبل أعدائه من البشر. وهي قادرة على إمساك والتقاط مختلف الأجسام التي تتراوح في أحجامها من حبات الرمل وبذور النباتات إلى قطع الصخور وجذوع الأشجار.
ولقد زود الله سبحانه وتعالى جلد رؤوس الأصابع بمستقبلات حسية من مختلف الأنواع وبكثافة عالية تمكن الإنسان من معرفة مختلف خصائص الأشياء التي تمسك بها من حيث الصلابة والليونة والخشونة والنعومة واليبوسة والرطوبة والسخونة والبرودة والثقل والخفة.
وقد استخدم الإنسان هذه الأيدي الماهرة لتحضير وأكل طعامه وخياطة وارتداء ملابسه وغسل جميع أجزاء جسمه وتصنيع ما يلزمه من أدوات ومعدات لزراعة الأرض وبناء السكن وصناعة السلاح وإلى غير ذلك من مستلزمات الحياة. أما الاستخدامات التي تظهر البراعة العالية لليد فهي الكتابة والرسم والنحت حيث يمكن لليد الإمساك بالقلم في وضعية معينة وتحريك رأسه في مختلف الاتجاهات بدقة عالية لكي يتمكن من كتابة الأحرف والكلمات ومختلف أنواع الرسومات وصدق الله العظيم القائل " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) "، القلم 1-5.
إن تصميم اليد التي تقوم بكل هذه الوظائف المعقدة يتطلب، لو أوكل الأمر إلى البشر، وضع تصاميم متعددة ومختلفة ومعقدة لما سيكون عليه تركيب اليد ومن ثم يتم اختيار التصميم الأفضل والذي في الغالب لن يكون الأمثل لقصور علم وقدرة البشر. ففي هذه التصاميم يجب أن يحدد طول اليد وعدد مفاصلها واتجاه حركاتها وأبعاد وأشكال عظامها وكذلك عدد وأماكن وأشكال العضلات التي تحرك العظام وكذلك شكل كف اليد وعدد أصابعها وأطوالها واتجاه حركاتها وغير ذلك من التفصيلات.
إن أبسط طريقة لإثبات أن اليد البشرية قد صممها الله سبحانه وتعالى على أكمل وجه هو الطلب من العلماء المشتغلين في هذا المجال اقتراح أي تعديل على مكوناتها لتكون أفضل مما هي عليه كتغير طولها الكلي أو أطوال عظامها أو زيادة أو تقليل عدد مفاصلها أو زيادة عدد الأصابع أو تقليلها أو زيادة أطوال الأصابع أو تقليلها أو غير ذلك.
ونحن كمسلمين موقنون أنه لا يمكن لأحد مهما بلغ علمه أن يجد عيبا واحدا في تصميم هذه اليد العجيبة أو في أي مخلوق من مخلوقات الله سبحانه وتعالى لقوله عز وجل "الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)" تبارك.