ياتونس الخضراء جئتك عاشقاً
وعلى جبيني وردة وكتاب
إني الدمشقي الذي احترف الهوى
فاخضوضرت لغنائه الأعشاب
أحرقت من خلفي جميع مراكبي
إن الهوى أن لايكون.. اياب
أنا فوق أجفان النساء مكسر
قطعاً، فعمري الموج والأخشاب
لم أنس أسماء النساء وإنما
للحسن أسباب ولي أسباب
يا ساكنات البحر من غرناطة
جف الشذا وتفرق ا لأصحاب
أين اللواتي حبهن عبادة
وغيابهن.. وقربهن.. عذاب
اللابسات قصائدي ومدامعي
عاتبتهن فما أفاد عتاب
أحببتهن وهن ما أحببنني
وصدقتهن ووعدهن كذاب
إني لأشعر بالدوار فناهد
لي يطمئن وناهد يرتاب
هل دولة الحب التي أسستها
سقطت علي وسدت الأبواب
تبكي الكؤوس فبعد ثغر حبيبتي
حلفت بأن لا تسكر الأعناب
أيصدني نهد تعبت برسمه
وتخونني الأقراط والأثواب؟
ماذا جرى لممالكي وبيارقي؟
أدعو رباب فلا تجيب رباب
أأحاسب امرأة على نسيانها
ومتى استقام مع النساء حساب؟
ماتبت عن عشقي ولااستغفرته
ماأسخف العشاق لو هم تابوا
قمر دمشقي يسافر في دمي
وبلابل.. وسنابل… وقباب
الفل يبدأ من دمشق بياضه
وبعطرها تتطيب الأطياب
والماء يبدأ من دمشق فحيثما
أسندت رأسك جدول ينساب
والشعر عصفور يمد جناحه
فوق الشآم وشاعر جواب
والحب يبدأ من دمشق فأهلنا
عبدوا الجمال وذبوه وذابوا
والخيل تبدأ من دمشق مسارها
وتشد للفتح الكبير ركاب
والدهر يبدأ من دمشق وعندها
تبقى اللغات وتحفظ الأنساب
ودمشق تعطي للعروبة شكلها
وبأرضها تتشكل الأحقاب
بدأ الزفاف فمن تكون مضيفتي
هذا المساء ومن هو العراب؟
أأنا مغني القصر ياقرطاجة
كيف الحضور؟ وماعلي ثياب
ماذا أقول؟ فمي يفتش عن فمي
والمفردات حجارة وتراب
فمآدب عربية وقصائد
همزية… ووسائد…. وحباب
لاالكأس تنسينا مساحة حزننا
يوماً ولا كل الشراب شراب
من أين يأتي الشعر؟ حين نهارنا
قمع وحين مساؤنا ارهاب
سرقوا أصابعنا وعطر حروفنا
فبأي شئ يكتب الكتاب؟
والحكم شرطي يسير وراءنا
سراً فنكهة خبزنا استجواب
الشعر رغم سيلطهم وسجونهم
ملك وهم في بابه حجاب
من أين أدخل في القصيدة ياترى؟
وحدائق الشعر الجميل خراب
لم يبق في دار البلابل بلبل
لا البحتري هنا ولا زرياب
شعراء هذا اليوم جنس ثالث
فالقول فوضى والكلام ضباب
يتكلمون مع الفراغ فما هم
عجم إذا نطقوا ولاأعراب
اللاهثون على هوامش عمرنا
سيان إن حضروا وإن هم غابوا
يتهكمون على النبيذ معتقاً
وهم على سطح النبيذ ذباب
الخمر تبقى إن تقادم عهدها
خمراً وقد تتغير الأكواب
من أين أدخل في القصيدة ياترى
والشمس فوق رؤوسنا سرداب
إن القصيدة ليس ماكتبت يدي
لكنها ماتكتب الأهداب
نار الكتابة أحرقت أعمارنا
فحياتنا الكبريت والأحطاب
ما الشعر؟ ما وجع الكتابة؟ ما الرؤى؟
أولى ضحايانا هم الكتاب
يعطوننا الفرح الجميل وحظهم
حظ البغايا مالهن ثواب
ياتونس الخضراء هذا عالم
يثري به الأمي والنصاب
فمن الخليج إلى المحيط قبائل
بطرت فلا فكر ولاآداب
في عصر زيت الكاز يطلب شاعر
ثوباً وترفل بالحرير قحاب
هل في العيون التونسية شاطئ
ترتاح فوق رماله الأعصاب
أنا ياصديقة متعب بعروبتي
فهل العروبة لعنة وعقاب؟
أمشي على ورق الخريطة خائفاً
فعلى الخريطة كلنا أغراب
أتكلم الفصحى أمام عشيرتي
وأعيد لكن ماهناك جواب
لولا العباءات التي التفوا بها
ماكنت أحسب أنهم أعراب
يتقاتلون على بقايا تمرة
فخناجر مرفوعة وحراب
قبلاتهم عربية من ذا رأى
فيما رأى قبلاً لها أنياب
ياتونس الخضراء كأسي علقم
أعلى الهزيمة تشرب الأنخاب؟
وخريطة الوطن الكبير فضيحة
فحواجز… ومخافر… وكلاب
والعالم العربي إما نعجة
مذبوحة…. أو حاكم قصاب
والعالم العربي يرهن سيفه
فحكاية الشرف الرفيع سراب
والعالم العربي يخزن نفطه
في خصيتيه وربك الوهاب
والناس قبل النفط أو من بعده
مستنزفون فسادة ودواب
ياتونس الخضراء كيف خلاصنا؟
لم يبق من كتب السماء كتاب
ماتت خيول بني أمية كلها
خجلاً وظل الصرف والاعراب
فكأنما كتب التراث خرافة
كبرى…. فلا عمر ولا خطاب
وبيارق ابن العاص تمسح دمعها
وعزيز مصر بالفصام مصاب
من ذا يصدق أن مصر تهودت
فمقام سيدنا الحسين يباب
ماهذه مصر فإن صلاتها
عبرية… وإمامها……. كذاب
ماهذه مصر فإن سماءها
صغرت وإن نساءها أسلاب
إن جاء كافور فكم من حاكم
قهر الشعوب وتاجه قبقاب
بحرية العينين ياقرطاجة
شاخ الزمان وأنت بعد شباب
هل لي بعرض البحر نصف جزيرة؟
أم أن حبي التونسي سراب
أنا متعب ودفاتري تعبت معي
هل للدفاتر ياترى أعصاب
حزني بنفسجة يبللها الندى
وضفاف جرحي روضة معشاب
لا تعذليني إن كشفت مواجعي
وجه الحقيقة ماعليه نقاب
إن الجنون وراء نصف قصائدي
أوليس في بعض الجنون صواب؟
فتحملي غضبي الجميل فربما
ثارت على أمر السماء هضاب
فإذا صرخت بوجه من أحببتهم
فلكي يعيش الحب والأحباب
وإذا قسوة على العروبة مرة
فلقد تضيق بكحلها الأهداب
فلربما تجد العروبة نفسها
ويضئ في قلب الظلام شهاب
ولقد تطير من العقال حمامة
ومن العباءة تطلع الأعشاب
قرطاجة قرطاجة قرطاجة
هل لي بصدرك رجعة ومتاب؟
لاتغضبي مني إذا غلب الهوى
إن الهوى في طبعه غلاب
فذنوب شعري كلها مغفورة
والله جل جلاله التواب
بقلم
الشاعر الكبير
نزار قباني