الطائرر متمرد لا يمكن السيطرة عليه
عدد المساهمات : 1305
اعلام الدول :
مزاج العضو :
العمل/الترفيه : cnas
| موضوع: منازل العبادة والا ستعانة " اياك نعبد واياك نستعين " السبت ديسمبر 25, 2010 1:28 pm | |
| الكلام للطبيب القلوب قاعدة شريفة عظيم القدر حاجة العبد إِليها أَعظم من حاجته إِلى الطعام والشراب والنفس بل وإِلى الروح التى بين جنبيه. اعلم أَن كل حى سوى الله فهو فقير إِلى جلب ما ينفعه ودفع ما يضره، والمنفعة للحى من جنس النعيم، واللذة, والمضرة من جنس الأَلم والعذاب. فلابد من أَمرين: أحدهما: هو المطلوب المقصود المحبوب الذى ينتفع به ويتلذذ به، والثانى: هو المعين الموصل المحصل لذلك المقصود والمانع لحصول المكروه والدافع له بعد وقوعه. فها هنا أَربعة أَشياءَ: أَمر محبوب مطلوب الوجود، والثانى أمر مكروه مطلوب العدم، والثالث الوسيلة إِلى حصول المحبوب، والرابع الوسيلة إلى دفع المكروه. فهذه الأُمور الأَربعة ضرورية للعبد بل ولكل حى سوى الله، لا يقوم صلاحه إِلا بها إِذا عرف هذا فالله سبحانه وتعالى هو المطلوب المعبود المحبوب وحده لا شريك له وهو وحده المعين للعبد على حصول مطلوبه، فلا معبود سواه ولا معين على المطلوب غيره، وما سواه هو المكروه المطلوب بعده وهو المعين على دفعه، فهو سبحانه الجامع للأُمور الأَربعة دون ما سواه، وهذا معنى قول العبد: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِين}* [الفاتحة: 5]، فإن هذه العبادة تتضمن المقصود المطلوب على أكمل الوجوه، والمستعان هو الذى يستعان به على حصول المطلوب ودفع المكروه. فالأَول من مقتضى أُلوهيته، والثانى من مقتضى ربوبيته، لأَن الإِله هو الذى يؤله فيعبد محبة وإِنابة وإِجلالاً وإِكراماً، والرب هو الذى يرب عبده فيعطيه خلقه ثم يهديه إِلى جميع أَحواله ومصالحه التى بها كماله، ويهديه إِلى اجتناب المفاسد التى بها فساده وهلاكه. وفى القرآن سبعة مواضع تنتظم هذين الأَصلين: أحدها قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِيْنُ}* [الفاتحة: 5]، الثانى قوله تعالى: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}* [هود: 88] ، الثالث قوله تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}* [هود: 123]، الرابع قوله تعالى: {عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا}* [الممتحنة: 4]، الخامس قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَى الَّذِى لا يُمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ}* [الفرقان: 58]، السادس قوله: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَاب}* [الرعد: 30]، السابع قوله: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً * رَبُّ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً}* [المزمل: 8 ومما يقرر هذا أن الله خلق الخلق لعبادته الجامعة لمعرفته والإنابة إليه ومحبته والإخلاص له، فبذكره تطمئن قلوبهم وبرؤيته فى الآخرة تقر عيونهم، ولا شيء يعطيهم فى الآخرة أحب إِليهم من النظر إِليه، ولا شيء يعطيهم فى الدنيا أَحب إِليهم من الإيمان به ومحبتهم له ومعرفتهم به، وحاجتهم إِليه فى عبادتهم له وتأَلههم له كحاجتهم إِليه بل أَعظم فى خلقه وربوبيته لهم ورزقه لهم، فإِن ذلك هو الغاية المقصودة التى بها سعادتهم وفوزهم، وبها ولأَجلها يصيرون عاملين متحركين، ولا صلاح لهم ولا فلاح ولا نعيم ولا لذة ولا سرور بدون ذلك بحال، فمن أَعرض عن ذكر ربه فإِن له معيشة ضنكاً، ويحشره يوم القيامة أَعمى، ولهذا لا يغفر الله لمن يشرك به شيئاً ويغفر ما دون ذلك لمن يشاءُ، ولهذا كانت: ((لا إِله إِلا الله)) أفضل الحسنات. وكان توحيد الإِلهية الذى كلمته لا إله إلا الله رأْس الأَمر، فأَما توحيد الربوبية الذى أَقر به كل المخلوقات فلا يكفى وحده، وإِن كان لا بد منه، وهو حجة على من أَنكر توحيد الأُلوهية. ((فحق الله على العباد أَن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً وحقهم عليه إِذا فعلوا ذلك أَن لا يعذبهم))، وأَن يكرمهم إِذا قدموا عليه، وهذا كما أَنه غاية محبوب العبد ومطلوبه وبه سروره ولذته ونعيمه فهو أَيضاً محبوب الرب من عبده ومطلوبه الذى يرضى به، ويفرح بتوبة عبده إذا رجع إليه وإلى عبوديته وطاعته أعظم من فرح من وجد راحلته التى عليها طعامه وشرابه فى أرض مهلكة بعد أن فقدها وأيس منها، وهذا أعظم فرح يكون، وكذلك العبد فلا فرح له أعظم من فرحه بوجود ربه وأُنسه به وطاعته له وإِقباله عليه وطمأنينته بذكره وعمارة قلبه بمعرفته والشوق إِلى لقائه، فليس فى الكائنات ما يسكن العبد إِليه ويطمئن به ويتنعم بالتوجه إِليه إِلا الله سبحانه، ومن عبد غيره وأَحبه- وإِن حصل له نوع من اللَّذة والمودَّة والسكون إِليه والفرح والسرور بوجوده- ففساده به ومضرته وعطبه أَعظم من فساد أكل الطعام المسموم اللذيذ الشهى الذى هو عذب فى مبدئه عذاب فى نهايته كما قال القائل:
مآرب كانت فى الشباب لأهلها [عذاباً] فصارت فى المشيب عَذَاباً
| |
|