هل تُدرِكُ معنى أن تكون مختلِفًا عن الآخرين , ولكن بطريقةٍ بشعة !
كان جِدارٌ يفصِلُنِي عن النّور ..وأنا أفكّر الآن أن أجتازه ..لا تطمئنّوا أيها الحاضرون !..
هذا النّور شبحٌ رأيته في كل كوابيسي المُقيتة ,كان يُرسل أشعّتهُ مِدرارًا على وجهي الدّميم الّذي تآكل ذات حريق !
حينها لم ترأف النّار بأحد ...لم تنتبه إلى جناحِي الهشّ وهو ينضوي في الجحيم , ولا إلى ملامحي وهي تندثر لتُصبحَ أخرى
ولا إلى حلمي وهو يتفحّمُ لِيغدو رمادًا ...ولم ترأف بصبية في الخامسة عشرة من عمرها لا تملك سوى ثوبًا أبيض,ودمية خرساء,وأمنية تهشّمت !
هل هُناكَ أقسى من هكذا جحيم ! ...قيل هذا ولكنّني لم أكد أتخيّل
لم أطمع أن أنجو من يبابِ الماضي ,لم أطمع حتّى أن أطمع , كان يكفيني أن أُدفن حتّى تكُونَ نِهايتي أوفر حظًّا
على أن أعيشَ كما أنا الآن ..ظلًّا تُخجِلُه المرايا ..وتُخيفُهُ الحقيقة
كُنتُ في الزّاوية الأكثر عتمة عندما قرّرتُ أن أجتازَ بابي الموصد نحو الضّوء , وقفتُ شاردة بلا ملامح
لا أرى أحدًا ولا يراني أحد ....لا أدري لِما راودتني الفِكرة لأحلُم بِأكثر من ذلك
تُرى ماذا دهاني ؟! هل يليقُ بمِثلِي أن تسخَرَ من القدر !!
عندما قُلتُ جُملتي الأخيرة ,كانت موجة من الحزن والخيبة قد عصفت بداخلي ونزلت على خدّي المتشقّقُ دمعتان
تحرّكت ساقيّ الهزيلة بِبُطءٍ نحو البابِ المُغلقِ بإحكام , وما كدتُ أتحسّسُ المفاتيح بيَدٍ مُرتَبِكة حتّى تسلّل إلى أذني صوت شخير أعرفه جيّدًا !
كان لِجدّتي الّتي ودّعتني مُنذُ شهرين , دون أن تودّعني ! ...إلتفتُّ نحو سريرها , وخُيّل إليّ أنّها نائمة هنا
بجسدها النّحيل وعباءتها العتيقة ..وشعرها الأشعث المحمرّ من الحِنّاء , كانت تُردّدُ لِي العبارة الّتي لا يصدّقها أحد غيري
قُلتُ لِنفسي ..هل عليّ أن أستحضر كلّ ما مضى ؟ أم أكسِر حاجز الغُربةِ نحو غُربةٍ أخرى ؟
أم أقبّلُ جبين العتمة الّتي تحجبني عن الآخرين ..وألعنُ النّور الّذي لن يستقبلني إذا أقبلتُ نحوه ذات حُلم !
حدّقتُ طويلًا صوبَ الأبوابِ الّتي لا تُفتَح ,وحينَ اقتربتُ نحوها بخطواتٍ متثاقلة ,سمعتُ قهقهةً وأصواتًا تقترب شيئًا فشيئًا
ذُعِرتُ وتراجعتُ خُطوتين ...حينها سَعُلَت جدّتي ..وسمعتها تقولُ نفس العبارة
" يا صغيرتي..من يملكُ مِثل قلبِكِ الطيّب ...لا تطالُهُ جهنّمَ الحمراء "
هذه المرّة لم أُصدّقها ,وبكيتُ بِحرقةٍ رغمًا عنّي
كان بِوُدّي أن أصرخ ....." أنظري ها قلبي الضّئيل ..يمضغُ رغيفَ حزنِهِ بِنَهَمٍ وجوع "
/
قلم ن . وداد
24/09/2012