عندَ كل فجر يلحق المصلّين , هم يهرولون و هو يهرولُ وراءهم , هم من أجل الصلاة و هو كي يقضي مآربه و بمجرد أن تقام الصلاة يسرق أحذيتهم و يركض بها بعيدا و بعد الفجر بساعات يبيعها لصديقه كأحذية مستعملة
على الضفة ألأاخرى بقرية فيها اشخاص مختلفون يذهبون للسوق فلا يتعرفون على الأحذية المسروقة .
مهنته التي اتخذها لم تشعره يوما بالفخر و لكن بالعار , إنه يتاجر بأحذيتهم عندما يسلمون أنفسهم لله بذلك الموعد المقدّس, لو التقى بأحدهم في مناسبة أخرى ما كان بإمكانه أن يسرق حذاءا و صاحبه يمشي به إنها من أكثر السرقات جبنا
و عارا , هو يعتبر نفسه جرذا حقيرا يمضي حياته على هذا الكوكب البائس , بانتهازات دنيئة .
بآخر القرية كان هناك بيت و بآخر البيت كان هناك شيخ لا يملك سوى حذاء واحد لقدمه الكبيرة و عندما فقد حذاءه تمدد أسفا , ما عاد بوسعه الخروج حافيا و تحمل البرد و الأحجار و الأشواك وصولا للمسجد ، بعد كل عشاء كان يبكي شوقا لله الذي كان يلتقيه كل فجر بالمسجد , لم يكون للشيخ أبناء يدفعون عنه الظلم أو السرقة و لكن كان له ابنة بمئة رجل , مسحت دموع والدها و قبلت جبينه و قالت له :
- أنا سأعيد حذاءك .
و عند فجر يوم جديد , ارتدت عباءة والدها و لفت راسها بعمامته أيضا , سارت إلى المسجد بخطوات بطيئة ,و لكنها لم تدخل بل مكثت خلف شجرة مسنة , تنتظر طيف لص , و إذا بها تلمح رجلا نحيفا يتصيد لحظات الخشوع كي يهرب
بالأحذية , لحقت به و عرفت بيته و بعدما دخل منزله بدقائق دقت على بابه ففتح لها مستغرب , إنها سيدة بهيئة رجل !
- أريد حذاء أبي
- ما الذي تقصدينه ؟ أنا ..
- أنت الذي تسرق الأحذية , ليس بوسعك الإنكار أبدا , حذاء أبي حذاء بُني و أظن أنه أكبر حذاء عندك و لا حاجة لك به ,
كان التسول أشرف لك يا سيدي , هذا إن كنت تستحق لقب السيادة !
- معكِ حق أنا لا أستحق لقب السيادة أنا نكرة في هذا الوجود الذي تمنيت ألا أكون به موجودا حذاء والدك لم أستطع بيعه و سأعيده لك .. اتبعيني
لحقت به بخطوات بطيئة خلف ذلك الباب الخشبي , انحنى و دخل غرفة صغيرة تشبه الجحر إلى حد كبير ليجلب لها الحذاء و هو يبحث عنه سمعت أنينا يخالطه بكاء طفل رضيع , صوت امرأة تئن فيجيبها ابنها كأنه يشعر بألمها انتابها الفضول كي تدخل الغرفة فدفعت الباب بيدها فرأت امرأة تتصبب عرقا على فراش بالأرض و بالقرب منها رضيع يبكي ليس بوسعها أن تصل إليه فتمد يدها إليه عساها تطمئنه و تشعره بالأأنس ، اقتربت ابنة الشيخ و حملت الرضيع بين ذراعيها تهزه كي يسكت حينها تحدث الرجل :
- أظنك عرفتِ لما أسرق الأحذية أعيش بجحر و زوجتي يستفزها الموت كل ليلة و ابن رضيع يشتاق الحليب و يعجز عن مفارقة أمه !
بقلمي